وجاء يوم الزفاف وقد غلب الهم صاحبنا، كيف أدخل على امرأة لا تتكلم ولا تبصر ولا تسمع، فاضطرب حاله وتمنى أن لو تبتلعه الأرض قبل هذه الحادثة، ولكنه توكل على الله وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون، ودخل عليها يوم الزفاف، فإذا بهذه المرأة تقوم إليه وتقول له: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فلما نظر إليها تذكر ما يتخيله عن الحور العين في الجنة. قال بعد صمت: ما هذا؟ إنها تتكلم وتسمع وتبصر، فأخبرها بما قال عنها أبوها.
قالت: صدق أبي ولم يكذب.
قال: اصدقيني الخبر.
قالت: أبي قال عني إنني خرساء لأنني لم أتكلم بكلمة حرام، ولا تكلمت مع رجل لا يحل لي، وإنني صماء لأنني صماء ما جلست في مجلس في غيبة ونميمة ولغو، وإنني عمياء لأني لم أنظر إلى أي رجل لا يحل لي. فانظر واعتبر بحال هذا الرجل التقي، وهذه المرأة التقية وكيف جمع الله بينهما. (١)
[يؤثرون على أنفسهم]
كان شيخ كريم، فقير في حاله، لكنه لا يرد سائلاً قط، ولطالما لبس الجبة أو الفروة، فلقي بردان يرتجف، فنزعها فدفعها إليه، وعاد إلى البيت بالإزار، وطالما أخذ الطعام من بين أولاده ليعطيه للسائل، وفي يوم من أيام رمضان وقد وضعت المائدة انتظارًا للأذان فجاءه سائل يقسم أنه وعياله بلا طعام، فابتغى الشيخ غفلة من امرأته وفتح له، وأعطاه الطعام كله، فلما رأت ذلك امرأته صرخت وأقسمت من الغضب أنها لا تبقي عنده، بينهما هو ساكت، ولم تمر نصف ساعة حتى قرع الباب وجاء من يحمل أطباقًا فيها ألوان الطعام والحلوى والفاكهة، فسألوا: ما الخبر؟ وإذا هو أحد الأغنياء كان قد دعا بعض الكبار فاعتذروا، فغضب وحلف ألا يأكل أحد من الطعام، وأمر بحمله كله إلى دار الشيخ الفقير الكريم.