للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا يغيب عن رقابته شيء (١).

[ثمار المراقبة]

١ - الورع:

كانت فاطمة بنت عبد الملك بنت خليفة، وزوجة خليفة، وأخت أربعة من الخلفاء، خرجت من بيت أبيها إلى بيت زوجها يوم زفت إليه وهي مثقلة بأثمن ما تملكه امرأة على وجه الأرض من الحلي والجوهرات، ومن فضول القول أن أشير إلى أن عروس عمر بن عبد العزيز كانت في بيت أبيها تعيش في نعمة لا تعلو عليها عيشة امرأة أخرى في الدنيا في ذلك العهد، ولو أنها استمرت في بيت زوجها تعيش كما كانت تعيش قبل ذلك لتملأ بطنها كل يوم، وفي كل ساعة بأدسم المأكولات وأندرها وأغلاها، وتنعم نفسها بكل أنواع النعيم الذي عرفه البشر، لاستطاعت ذلك .. إلا أن الخليفة الأعظم عمر بن عبد العزيز اختار -في الوقت الذي كان فيه أعظم ملوك الأرض- أن تكون نفقة بيته بضعة دراهم في اليوم، ورضيت بذلك زوجة الخليفة التي كانت بنت خليفة وأخت أربعة من الخلفاء، فكانت مغتبطة بذلك، لأنها تذوقت لذة القناعة، وتمتعت بحلاوة الاعتدال، فصارت هذه اللذة وهذه الحلاوة أطيب لها وأرضى لنفسها من كل ما كانت تعرفه قبل ذلك من صنوف البذخ وألوان الترف، بل اقترح عليها زوجها أن تترفع عن عقلية الطفولة، فتخرج عن هذه الألاعيب والسفاسف التي كانت تبهرج بها أذنيها وعنقها وشعرها ومعصميها، مما لا يسمن ولا يغني من جوع، ولو بيع لأشبع بثمنه بطون شعب برجاله ونسائه وأطفاله، فاستجابت له، واستراحت من أثقال الحلي والمجوهرات واللآليء والدرر التي حملتها معها من بيت أبيها، فبعثت بذلك كله إلى بيت مال المسلمين.

وتوفي أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ولم يخلف لزوجته وأولاده شيئًا، فجاءها أمين بيت المال، وقال لها: إن مجوهراتك يا سيدتي لا تزال كما هي، واعتبرتها أمانة لك، وحفظتها لذلك اليوم، وقد جئت أستأذنك في إحضارها.

فأجابته بإنها وهبتها لبيت مال المسلمين طاعة لأمير المؤمنين، ثم قالت: وما كنت لأطيعه حيًا، وأعصيه ميتًا (٢).


(١) النور الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى (٢٥٦ - ٢٥٧).
(٢) مواقف من حياة الأنبياء والصحابة والتابعين (٦٨١ - ٦٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>