تمنحنا قبسًا منها، نستعين به على معاناة الحياة، بل إن الضراعة وحدها كفيلة بأن تزيد قوتنا ونشاطنا، ولن تجد أحدًا ضرع إلى الله مرة إلا عادت هذه الضراعة بأحسن النتائج.
وإذا كان هذا هو أثر الصلاة بعامة، فإن الصلاة الإسلامية بخاصة أبعد غورًا وأعمق آثارًا (١).
[صلاة تليق بمعبودك]
يا واقفًا في صلاته بجسده والقلب غائب، ما يصلح ما بذلته من التعبد مهرًا للجنة فكيف ثمنًا للجنة. رأت فأرة جملاً فأعجبها فجرت خطامه فتبعها فلما وصل إلى باب بيتها وقف ونادى بلسان الحال، إما أن تتخذي دارًا يليق بمحبوبك أو محبوبًا يليق بدارك.
خير من هذا إشارة إما أن تصلي صلاة تليق بمعبودك أو تتخذ معبودًا يليق بصلاتك.
[نماذج للخاشعين]
كان سعيد بن جبير يقول: ما عرفت من على يميني ولا من على شمالي في الصلاة منذ أربعين سنة، منذ سمعت ابن عباس يقول: الخشوع في الصلاة ألا يعرف المصلي من على يمينه وشماله.
وقال سعيد بن عبيد: كان سعيد بن جبير يؤم قومه فقرأ في صلاته قوله تعالى: {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (٧١) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (٧٢)} [غافر: ٧١ - ٧٢] فجعل ينشج بنشيج يقطع أكباد سامعيه حتى سقط مغشيًا عليه.
وكان الربيع بن خثيم إذا سجد كأنه ثوب مطروح؛ فتجيء العصافير فتقع عليه.
ويقول عمر بن الخطاب: إن الرجل ليشيب عارضاه في الإسلام، وما أكمل الله له صلاة.
قيل: وكيف ذلك؟
فقال: لا يتم خشوعها ولا تواضعها، ولا إقباله على الله فيها.
ويقول التابعي حسن بن عطية وغيره: إن الرجلين ليكونان في الصلاة، مناكبهما جميعًا، وإن ما بين صلاتيهما كما بين السماء والأرض.