فمال عوف بن مالك: كذبتم، والله لقد رأينا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فقالوا: من هو؟
فقال: أبو بكر.
فقال عمر: صدق عوف، وكذبتم، والله لقد كان أبو بكر أطيب من ريح المسك، وأنا أضل من بعير أهلي -يعني قبل أن يسلم- لأن أبا بكر أسلم قبله بست سنين.
وهذا يدل على تواضع عمر وتقديره للفضلاء، ولا يقتصر على الأحياء منهم ولكنه يعم منهم الموتى كذلك، فلا يرضى أن ينكر فضلهم أو يغفل ذكرهم، ويظل ذكرهم بالخير في كل موقف، ويحمل الناس على احترام هذا المعنى النبيل وعدم نسيان ما قدموه من جلائل الأعمال، فيبقى العمل النافع متواصل الحلقات يحمله رجال إلى رجال، فلا ينسى العمل الطيب بغياب أهله أو وفاتهم.
[الرسول قدوتنا]
في مؤتمر الطب الذي انعقد بدار جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة عام ١٩٣٨ م، خطب الإمام الشهيد فتحمس أحد الإخوة من الطلاب فهتف بحياة حسن البنا، وبرغم عدم استجابة الحاضرين لهذا الهتاف إلا أن الأستاذ المرشد وقف صامتا لا يتحرك برهة، فاتجهت إليه الأنظار في تطلع، ثم بدأ حديثه في غضب فقال: أيها الإخوان، إن اليوم الذي يهتف في دعوتنا بأشخاص لن يكون ولن يأتي أبدا، إن دعوتنا إسلامية ربانية قامت على عقيدة التوحيد، فلن تحيد عنه، أيها الإخوان، لا تنسوا في غمرة الحماسة الأصول التي آمنا بها، وهتف بها (الرسول قدوتنا): {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٥٦)} [الأحزاب: ٥٦].