لقد فتح باب حصن تستر قبيل ساعات الفجر بقليل، وانهمرت الجيوش الإسلامية داخل الحصن، ودار لقاء رهيب بين ثلاثين ألف مسلم، ومائة وخمسين ألف فارسي، وكان قتالا في منتهى الضراوة، وكانت كل لحظة في هذا القتال تحمل الموت، وتحمل الخطر على الجيش المسلم.
موقف في منتهى الصعوبة .. وأزمة من أخطر الأزمات.
ولكن في النهاية -بفضل الله- كتب الله النصر للمؤمنين .. وانتصروا على عدوهم انتصارا باهرا، وكان هذا الانتصار بعد لحظات من شروق الشمس، واكتشف المسلمون أن صلاة الصبح قد ضاعت، في ذلك اليوم الرهيب لم يستطع المسلمون في داخل هذه الأزمة الطاحنة والسيوف على رقابهم أن يصلوا الصبح في ميعاده، ويبكي أنس بن مالك - رضي الله عنه - لضياع صلاة الصبح مرة واحدة في حياته، ويقول أنس: وما تستر؟ لقد ضاعت مني صلاة الصبح، وما وددت أن لي الدنيا جميعا بهذه الصلاة (١).
[فضيلة الوقت بعد الفجر]
ثبت لهذا الوقت من الفضيلة والخصوصية ما يوجب على المسلم في عمارته بالطاعة: فقد أقسم الله به في قوله تعالى: {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ}[التكوير: ١٨] وأرشد العباد إلى التسبيح فيه بقوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}[الروم: ١٧] وقوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}[ق: ٣٩].
قال ابن القيم: ومن المكروه عندهم النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس، فإنه وقت غنيمة، وللسير (أي العبادة والتوجه إلى الله) في ذلك الوقت عند السالكين مزية عظيمة، حتى لو ساروا طول ليلهم لم يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت، حتى تطلع الشمس، فإنه أول النهار ومفتاحه، ووقت نزول الأرزاق وحصول القسم وحلول البركة، ومنه ينشأ النهار، وينسحب حكم جميعه (أي النهار) على حكم تلك الحصة، فينبغي أن يكون نومها كنوم المضطر.