قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" إذا عملت الخطيئة في الأرض وكان من شهدها فكرهها وقال مرة: فأنكرها، كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها"[رواه أبو داود].
والمسلم مأمور أن يغير المنكر إذا رآه، فإن لم يستطع أن يغيره ويزيله، فلا أقل من أن يزول هو عنه، ليبتعد عن مواطنه وأهله، ومما يروي عن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز أنه كان يعاقب شارب الخمر ويقيم عليه الحد، ويعاقب من شهد المجلس، ولم يشارك في الشرب والإثم، ولكنه شارك في السكوت عليه ولم يغادر مكان المعصية، رفع إليه قوم شربوا الخمر فأمر بجلدهم، فقيل له: إن فيهم فلانًا لم يشاركهم لأنه كان صائما فقال: ابدأوا به -أي عاقبه قبلهم- ثم قال: أما سمعتم قول الله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ}[النساء: ١٤٠].
يقول سيد قطب: وقد يجيء على المسلمين زمان لا يستطيعون فيه تغيير المنكر بأيديهم، ولا يستطيعون فيه تغيير المنكر بألسنتهم، فيبقى أضعف الإيمان، وهو تغييره بقلوبهم، وهذا ما لا يملك أحد أن يحول بينهم وبينه، إن هم كانوا حقًّا على الإسلام، وليس هذا موقفًا سلبيًا من المنكر -كما يلوح في بادئ الأمر-. وتعبير الرسول بأنه تغيير دليل على أنه عمل إيجابي في طبيعته، فإنكار المنكر بالقلب معناه احتفاظ هذا القلب بإيجابيته تجاه المنكر، إنه ينكره ويكرهه، ولا يستسلم له، ولا يعتبره الوضع الشرعي الذي يحضع له ويعترف به، وإنكار القلوب لوضع من الأوضاع قوة إيجابية لهدم هذا الوضع المنكر، ولإقامة المعروف في أول فرصة تسنح، وللتربص بالمنكر حتى توافي هذه الفرصة.
وهذا كله عمل إيجابي في التغيير، وهو على كل حال أضعف الإيمان، فلا أقل من أن يحتفظ المسلم بأضعف الإيمان، أما الاستسلام للمنكر لأنه واقع، ولأن ضغطًا قد يكون ساحقًا، فهو الخروج من آخر حلق الدين، والتخلي عن أضعف الإيمان.
[الرفق في النهي عن المنكر]
يشترط الرفق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد وعظ رجل المأمون وعنف له في القول، فقال: يا رجل ارفق، فقد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شر مني وأمره بالرفق:{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}[طه: ٤٤].