ليرد هذا المال، فذهب إلى أمير المؤمنين، وشكره على صنيعه ثم قال: يا أمير المؤمنين، إني ببغداد غريب، وليس عندي موضع أضع فيه هذه الأموال الكثيرة، فأرى أن تجعلها في بيت مال المسلمين، حتى إذا أردتها أخذتها، فأجابه المنصور إلى ذلك.
ومرت الأيام حتى توفي أبو حنيفة، ولم يأخذ من ذلك المال شيئا، فقال أبو جعفر المنصور: خدعنا أبو حنيفة. ثم رد المال إلى بيت المال.
وهكذا يكون المسلم الداعية ورعا في أموال المسلمين.
[محمد بن المنكدر]
يروي الإمام الغزالي عن محمد بن المنكدر أنه كان له شقق بعضها بخمسة دراهم، وبعضها بعشرة، فباع غلامه في غيبته لأعرابي شقة من الخمسيات بعشرة، فلما عاد ابن المنكدر وعرف، لم يل يطلب ذلك الأعرابي المشتري طول النهار حتى وجده، فقال له: إن الغلام قد غلط فباعك ما يساوي خمسة بعشرة، فقال الأعرابي: يا هذا، قد رضيت، فقال: وإن رضيت، فإنا لا نرضى لك إلا ما نرضاه لأنفسنا، فاختر إحدى ثلاث خصال: إما أن تأخذ شقة من العشريات بدراهمك، وإما أن نرد عليك خمسة، وإما أن ترد شقتنا وتأخذ دراهمك. فرد عليه خمسة، وانصرف الأعرابي.
[يرفض الذل]
اعتقل كمال السنانيري في أكتوبر عام ١٩٥٤م وأفرج عنه في يناير عام ١٩٧٣م بعد أن أمضى سجنه في الواحات في وجه الشمس المحرقة، ولهيب هواء الصحراء، وبعد الحكم عليه ضغطوا على زوجته وأمه لعلهما تثنيانه عن عناده، ويكتب سطرين في تأييد عبد الناصر، فأبى بشدة، وقال لأمه التي طلبت منه أن يكتب رسالة استعطاف وشفعت كلامها بدموعها، فاعتذر لها وقال بشموخ الداعية وكان ورعا:"كيف يكون موقفي بين يدي الله إذا أرسلت هذه الرسالة ثم مت"؟.
ومن ورعه أنه خير زوجته بين البقاء زوجة له أو الطلاق، فالتقطت دمعاتها وقالت: أبقي زوجة لك أيها الحبيب. ولكن رجال المباحث ضغطوا على أهلها فأجبروها على الطلاق منه.
[الورع عما يستبيحه الكافة]
انفرد الأستاذ الهضيبي برتبة عالية في الورع عما تعارف الناس على إباحته من توافه