للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[يا نفس!]

يا نفس تدبري أمرك وتأملي، ومثلي بين ما يبقى وما يفنى ولا تعجلي، لقد ضللت طريق الهدي فقفي واسألي، وآثرت وهنًا يورث وهنًا لا تفعلي، يا غمرة من الشقاء ما أراها تنجلي، أتبع الهوى والهوى علي وليس لي، أريد حياة نفس ونفسي تريد مقتلي، يا جسدا قد بلى بما قد بلى (١).

[هل أنت إلا قطرة؟]

يقول ابن الجوزي: لمن رآها تتكبر: هل أنت إلا قطرة من ماء مهين، تقتلك شرقة، وتؤلمك بقة؟ وإن رأى تقصيرها عرفها حق المولى على العبيد، وإن ونت في العمل، حدثها بجزيل الأجر، وإن مالت عن الهوى، خوفها عظيم الوزر، ثم يحذرها عاجل العقوبة الحسية، كقوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ} [الأنعام: ٤٦] والمعنوية كقوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: ١٤٦] فهذا جهاد بالقول، وذاك جهاد بالفعل.

وقال محمد بن يونس بن موسى: سمعت زهير بن نعيم الباني قال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، توصي بشيء؟ قال: نعم، احذر أن يأخذك الله وأنت على غفلة.

وعن عون بن عبد الله قال: كان أهل الخير يكتب بعضهم إلى بعض بهؤلاء الكلمات الثلاث ويلقى بعضهم بعضا: من عمل لآخرته كفاه الله عز وجل دنياه، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته.

[مثل واضح]

كما يستعين التاجر بشريكه وغلامه الذي يتجر في ماله، كما أن الشريك يصير خصما منازعا يجاذبه في الربح فيحتاج إلى أن يشارطه أولا ويراقبه ثانيا ويحاسبه ثالثا ويعاقبه أو يعاتبه رابعا، فكذلك العقل يحتاج إلى مشارطة النفس أولا، فيوظف عليها الوظائف ويشرط عليها الشروط ويرشدها إلى طريق الفلاح ويجزم عليها الأمر بسلوك تلك الطرق، ثم لا يغفل عن مراقبتها لحظة، فإنه لو أهملها لم ير منها إلا الخيانة وتضييع


(١) المواعظ والمجالس٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>