بعد أن تمت بيعة العقبة الثانية طلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتخاب اثني عشر زعيما يكونون نقباء على قومهم، يكفلون المسئولية عليهم في تنفيذ بنود هذه البيعة. فقال للقوم:"أخرجوا إلىَّ منكم اثني عشر نقيبا ليكونوا على قومكم بما فيهم" فتم انتخابهم في الحال، وكانوا تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس، ولما تم انتخاب هؤلاء النقباء أخذ عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ميثاقا آخر بصفتهم رؤساء مسئولين، قال لهم:"أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وأنا كفيل على قومي" -يعني المسلمين-، قالوا: نعم.
[مجلس عسكري استشاري]
عقد الرسول - صلى الله عليه وسلم - مجلسا عسكريا استشاريا بعد أن أستشار الجند فخافوا، قال تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (٥) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦)} [الأنفال: ٥ - ٦].
أما قادة الجيش فقام أبو بكر وأحسن وقام عمر وأحسن، فقام المقداد بن عمرو وقال: يا رسول الله، امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى:{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}[المائدة: ٢٤] ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون.
فدعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - ولهؤلاء القادة الثلاثة من المهاجرين -وهم أقلية في الجيش- وأراد أن يعرف رأي قادة الأنصار لأنهم أغلبية الجيش، ولأن ثقل المعركة سيكون على كواهلهم، مع أن نصوص العقبة لم تكن تلزمهم بالقتال خارج ديارهم، فنظر إليهم قائلا:"أشيروا علي أيها الناس"، ففطن إلى ذلك قائد الأنصار وحامل لوائهم سعد بن معاذ - رضي الله عنه - فقال: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله، قال - صلى الله عليه وسلم -: "أجل"، قال: فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وإنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"سيروا وأبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني أنظر الآن إلى مصارع القوم".