جاء من بعض البلاد المفتوحة، فلم يتداو عمر بالعسل كما نصحه الأطباء حتى جمع الناس، وصعد المنبر واستأذن الناس: إن أذنتم لي، وإلا فهو عليَّ حرام، فبكى الناس إشفاقا عليه وأذنوا له جميعا، ومضى بعضهم يقول لبعض: لله درك يا عمر! لقد أتعبت الخلفاء من بعدك.
فلا يجوز لأي مسئول أن يأخذ من أموال المسلمين بغير حق، ولا يستثمرها لصالحه في البنوك ويهرب بها إلى الخارج.
[ورع الولاة]
حرص العديد من الولاة على أن يعفى من الأعمال الموكلة إليهم فقد استعفى عتبة ابن غزوان عمر بن الخطاب -رضي الله عنهم- من ولاية البصرة فلم يعفه، كما أن النعمان بن مقرن كان واليا على كسكر فطلب من عمر أن يعفيه من الولاية ويسمح له بالجهاد رغبة في الشهادة، كما رفض بعض الصحابة الولاية حين طلب منهم عمر أن يعملوا في الولايات، فقد رفض الزبير بن العوام ولاية مصر حينما عرض عليه ذلك قائلا: يا أبا عبد الله، هل لك في ولاية مصر؟
فقال: لا حاجة لي فيها ولكن أخرج مجاهدا وللمسلمين معاونا. كما رفض ابن عباس ولاية حمص حينما عرض عليه عمر أن يوليه إياها بعد وفاة أميرها.
المسلم لا يسعى إلى الإمارة على الآخرين، لأنها أمانة هي خزي وندامة يوم القيامة إلا من أخذها بحقها، فإن كنت مسئولا فاتق الله في عملك وكن ورعا.
[اجعلها سوقا للمسلمين]
بعث عمرو بن العاص إلى الفاروق بقوله: إنا قد اختططنا لك دارا عند المسجد الجامع، فكتب عمر: أنى لرجل بالحجاز تكون له دار بمصر؟! وأمره بأن يجعلها سوقا للمسلمين.
وهذا دليل على كمال ورع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وزهده في مظاهر الدنيا، وإذا كان الكبار لا يترفعون عن أوحال الدنيا ومتاعها الزائل، فإن من دونهم من باب أولى أن يترفعوا عن ذلك.