فلابد من إيجاد سبب للإقامة هناك طوال الإجازة، فعرضت على الوالد أن أذهب لأفتح دكانًا لنا هناك أعمل فيه بنفسي كساعاتي مستقل، لأتمرن تمرينًا عمليًا استقلاليًا على الصنعة، وسافرت، وفتحت الدكان، واشتغلت فعلاً بإصلاح الساعات، وكنت أجد سعادتين في هذه الحياة، سعادة الاعتماد على النفس والكسب من عمل اليد، وسعادة الاجتماع بالأخ أحمد أفندي وقضاء الوقت معه، ومع الحصافية، وقضاء الليالي معهم نذكر الله، ونتذاكر العلم في المسجد تارة، وفي المنازل تارة (١).
هل تحرص على استغلال أوقات الفراغ في أعمال مفيدة؟
[هكذا كانوا]
يروي بغية بن الوليد، يقول: دعاني إبراهيم بن أدهم إلى طعامه، فأتيته، فجلس، ثم قال: كلوا باسم الله. فلما أكلنا، قلت لرفيقه: أخبرني عن أشد شيء مر بك منذ صحبته.
قال: كنا صيامًا، فلم يكن عندنا ما نفطر عليه، فأصبحنا، فقلت: هل لك يا أبا إسحاق أن نأتي الرستن (بلدة بالشام كانت بين حماة وحمص) فنكري (فنؤجر) أنفسنا مع الحصادين؟
قال: نعم، قال: فاكتراني رجل بدرهم، فقلت: وصاحبي؟ قال: لا حاجة لي فيه، أراه ضعيفًا. فما زلت بالرجل حتى اكتراه بثلثي درهم، فلما انتهينا، اشتريت من أجرتي طعامي وحاجتي، وتصدقت بالباقي، ثم قربت الزاد، فبكى إبراهيم وقال: أما نحن فاستوفينا أجورنا، فليت شعري، أوفينا صاحبه حقه أم لا؟ فغضبت، فقال: أتضمن لي أنا وفيناه، فأخذت الطعام فتصدقت به.
حج هارون الرشيد ذات مرة، فسأله أحد أصحابه أن يدله على رجل يسأله، فدله على الفضيل، فذهبا إليه، فقابلهما الفضيل، وقال للرشيد: إن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة دعا أناسًا من الصالحين فقال لهم: إني قد ابتليت بهذا البلاء (يعني الحكم) فأشيروا عليَّ، فعد عمر الخلافة بلاء، وعددتها أنت وأصحابك نعمة، فبكى الرشيد، فقال له صاحب الرشيد: ارفق بأمير المؤمنين.