وقد أجمع المسلمون على أن الشورى في كل ما لم يثبت نص ملزم فيه من كتاب أو سنة، أساس تشريعي دائم لا يجوز إهماله، أما ما ثبت فيه نص من كتاب أو حديث من السنة أبرم به الرسول - صلى الله عليه وسلم - حكمه، فلا شأن للشورى فيه ولا ينبغي أن يقضي عليه بأي سلطان.
[الحباب خبير عسكري]
تحرك الرسول - صلى الله عليه وسلم - بجيشه فنزل أدنى ماء من مياه بدر، وهنا قام الحباب بن المنذر - رضي الله عنه - كخبير عسكري، وقال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال:"بل هو الرأي والحرب والمكيدة"، قال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم ثم نبني عليه حوضا فنملأه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"لقد أشرت بالرأي"، فنهض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجيش حتى أتى أقرب ماء من العدو.
والرسول - صلى الله عليه وسلم - يعلم أمته مبدأ الشورى وقبول الاقتراحات من الرعية، ولم يتكبر عليهم مع أنه الرسول الذي يوحى إليه.
[في سقيفة بني ساعدة]
عقب وفاة - صلى الله عليه وسلم - اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: منا أمير ومنكم أمير، فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح، فذهب عمر يتكلم، فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاما قد أعجبني خشيت ألا يبلغه أبو بكر، ثم تكلم أبو بكر، فتكلم أبلغ كلام، فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، فقال حباب بن المنذر: لا والله لا نفعل، منا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر: لا، إنا الأمراء، وأنتم الوزراء، نحن أوسط العرب دارا، وأعربهم أحسابا، فبايعوا عمر، أو أبا عبيدة، فقال عمر: بل نبايعك أنت، وأنت سيدنا وخيرنا، وأحبنا إلى رسول الله، فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس، فرضي الله عن عمر، فإنه عندما ارتفعت الأصوات في السقيفة وكثر اللغط وخشي عمر الاختلاف، ومن أخطر الأمور التي خشيها عمر أن يبدأ بالبيعة لأحد من الأنصار فتحدث فتنة عظيمة،