ومن الذي غذاك من نعمائه ... ومن الكروب جميعها نجاكا
ومن الذي شق العيون فأبصرت ... ومن الذي بالعقل قد حلاكا
ومن الذي تعصي ويغفر دائمًا ... ومن الذي تنسى ولا ينساكا (١)
[هذا الكون]
تبعد أرضنا التي نعيش عليها عن الشمس، التي تبلغ درجة حرارتها على سطحها ١٢ ألف درجة، بمقدار يبلغ ٩٢ مليونا ونصف مليون ميل، وتبعد عن القمر ٢٤٠ ألف ميل، وهذه الأبعاد هي التي تكفي لتهيئة البيئة الصالحة للحياة بالصورة التي نعرفها على الأرض. إذا لو قربت الأرض عن ذلك لاحترقت الأحياء التي عليها في التو واللحظة، وانعدمت منها كل مظاهر الحياة، ولو بعدت الشمس أكثر من ذلك لأصاب الجمد، ثم الموت كل كائن حي على الأرض، ولو قرب القمر أو بعد عن ذلك، لغمر الماء القارات، ولأهلك الجزر الأحياء، وتفتت الجبال والتلال، وتلاشت الحياة.
وتدور الأرض حول محورها بسرعة ألف ميل في الساعة، أي بما يعادل مرة كل أربع وعشرين ساعة، ولو قل معدل دورانها عن ذلك لطال النهار بما يؤثر في النبات والأحياء صيفًا، وطال الليل بما قد تتجمد بسببه السوائل شتاء، ولو زادت لانعدمت الحياة.
وإذا زاد سمك القشرة الأرضية عما هي عليه قليلاً، لنقص الأكسجين، وقلت فرص الحياة، فإذا فرضنا أن سمك القشرة الأرضية زاد بمقدار عشرة أقدام، لانعدمت بانعدام الأكسجين مقومات الحياة، هذا الأكسجين الذي إذا زاد زيادة طفيفة، لسبب فناء العالم، بما يسببه من اختلال في كثافة الهواء .. فتتهاوى الكواكب والنجوم.
إن من يسكنون بجوار البحار والمحيطات، أو يضطرون إلى الحياة بجوارها، يقومون بعملية معقدة لتبخير الماء ثم تكثيفه لاستبعاد الملح الذي به ليكون بذلك صالحًا للشرب، ولطالما تمنوا أن تكون هذه المياه الملحة حلوة كمياه الأنهار، فلو أن أمنيتهم تحققت، وصارت المياه كلها حلوة، لصارت عفنًا منتشرًا، ولانتهت الحياة من الأرض. فمياه