رأس المال، كالعبد الخائن إذا خلا له الجو وانفرد بالمال، ثم بعد الفراغ ينبغي أن يحاسبها ويطالبها بالوفاء بما شرط عليها؛ فإن هذه تجارة ربحها الفردوس الأعلى، وبلوغ سدرة المنتهى مع الأنبياء والشهداء، فتدقيق الحساب في هذا مع النفس أهم كثيرا من تدقيقه في أرباح الدنيا مع أنها محتقرة بالإضافة إلى نعيم العقبى.
[وصية حكيم]
قال بعض الحكماء لابنه: يا بني لا تشغل قلبك من الدنيا إلا بقدر ما تتحققه من عمرك، ولتكن جرأتك على المعاصي بقدر صبرك على النار، وإذا أردت أن تعصي الله تعالى فانظر موضعا لا يراك الله فيه، وانظر إلى نفسك فإن كانت عزيزة فلا تذلها، وإن كانت ذليلة فلا تزدها على ذلها ذلا.
كل نفس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة لا عوض لها يمكن أن يشترى بها كنز من الكنوز لا يتناهى نعيمه أبد الآباد.
ويقول ابن الجوزي: تفكرت في نفسي يوما تفكر محقق، فحاسبتها قبل أن تحاسب، ووزنتها قبل أن توزن، فرأيت اللطف الرباني، فمنذ الطفولة وإلى الأن أرى لطفا بعد لطف، وسترا على قبيح، وعفوا عما يوجب عقوبة، وما أرى لذلك شكرا إلا باللسان.
[النفس اللوامة]
قال الحسن البصري في قوله تعالى:{وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}[القيامة: ٢]:
لا يلقى المؤمن إلا يعاتب نفسه، ماذا أردت بكلمتي؟ ماذا أردت بأكلتي؟ ماذا أردت بشربتي؟ والفاجر يمضي قدما لا يعاتب نفسه.
وقال مالك بن دينار رحمه الله تعالى: رحم الله عبدا قال لنفسه: ألست صاحبة كذا، ألست صاحبة كذا؟ ثم ذمها ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله تعالى فكان له قائدا.
ونقل عن توبة بن الصمة -وكان بالرقة وكان محاسبا لنفسه- أنه حسب يوما فإذا هو ابن ستين سنة، فحسب أيامها فإذا هي أحد وعشرون ألف يوم وخمسمائة يوم، فصرخ وقال: يا ويلتى! ألقي الملك بأحد وعشرين ألف ذنب، فكيف وفي كل يوم عشرة آلاف ذنب؟ ثم خر مغشيا عليه فإذا هو ميت، فسمعوا قائلا يقول: يا لك ركضة إلى الفردوس الأعلى!
فهكذا ينبغي أن يحاسب نفسه على الأنفاس وعلى معصيته بالقلب والجوارح في كل