قال محمد بن زكريا الغلابي: شهدت عبد الله بن محمد ليلة، وقد خرج من المسجد بعد المغرب يريد منزله، وإذا في طريقه غلام من قريش سكران، وقد قبض على امرأة فجذبها فاستغاثت، فاجتمع الناس يضربونه، فنظر إليه ابن عائشة فعرفه، فقال للناس: تنحوا عن ابن أخي، ثم قال: إليَّ يا ابن أخي فاستحى الغلام، فجاء إليه فضمه إليه، ثم قال له: امض معي، فمضى معه حتى صار إلى منزله، فأدخله الدار وقال لبعض غلمانه، بيّته عندك، فإذا أفاق من سكره فأعلمه بما كان منه ولا تتركه ينصرف حتى تأتيني به، فلما أفاق ذكر له ما جرى فاستحيا منه وبكى وهم بالانصراف، فقال الغلام: قد أمر أن تأتيه، فأدخله عليه، فقال له: أما استحييت لنفسك؟ أما استحييت لشرفك؟ فاتق الله وانزع عما أنت فيه، فبكى الغلام منكسًا رأسه، ثم رفع رأسه وقال: عاهدت الله عهدًا يسألني عنه يوم القيامة أني لا أعود للشرب، ولا لشيء مما كنت فيه أنا تائب، فقال: ادن مني، فقبل رأسه، وقال: أحسنت يا بني، فكان الغلام بعد ذلك يلزمه ويكتب عنه الحديث، وكان ذلك ببركة الرفق.
[لا تخش إلا الله]
عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحقر أحدكم نفسه قالوا: يا رسول الله: كيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: يرى أمرًا لله عليه فيه مقال ثم لا يقول فيه، فيقول الله عز وجل له يوم القيامة: ما يمنعك أن تقول في كذا وكذا؟ فيقول: خشية الناس، فيقول: فإياي كنت أحق أن تخشى"[رواه ابن ماجه].
يقول عبد الله بن عبد العزيز العمري: من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مخافة المخلوقين نزعت منه هيبة الله تعالى، فلو أمر بعض ولده أو بعض مواليه لاستخف به.
[أحياني أحياه الله]
صعد أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - على المنبر يومًا فقال:
إنما المال مالنا، والفيء فيئنا، فمن شئنا أعطيناه، ومن شئنا منعناه. فلم يجبه أحد. فلما كان في الجمعة الثانية؛ قال مثل ذلك، فلم يجبه أحد. فلما كان في الجمعة الثالثة قال مثل مقالته، فقام إليه رجل ممن حضر المسجد فقال:
كلا، إنما المال مالنا، والفيء فيئنا، فمن حال بيننا وبينه حاكمناه إلى الله بأسيافنا.