في سن مبكرة، لم تجاوز العشرين، أمرَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - أسامة بن زيد على جيش، بين أفراده وجنوده أبو بكر وعمر، وسرت همهمة بين نفر من المسلمين لتعاظمهم الأمر، واستكثروا على الفتى الشاب إمارة جيش فيه شيوخ الأنصار وكبار المهاجرين، فقال رسول الله:"إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله، وايم الله لقد كان خليقا للإمارة، وإن كان من أحب الناس إلي، وإن هذا لن أحب الناس إلي بعده" البخاري.
بعث رسول الله أسامة على جيش المسلمين إلى حيث قتل أبوه والصحابة، وأمره أن يغير على "أُبنى" بالسراة ناحية البلقاء، وقيل إلى"آبل الزيت" بالجهة نفسها وعقد له لواء في آخر يوم من صفر سنة ١١هـ، ولكن مرض الرسول مرضه الذي قبضه الله إليه فيه، فتأخر خروج الجيش حتى هلال ربيع الآخر سنة ١١ هـ، وسار أسامة بجيشه "ثلاثة آلاف" يسرع السير على طريق ذي المروءة ووادي القرى في اتجاه "أبنى" و"آبل الزيت" من نواحي مؤتة، حتى إذا توسط مواطن قضاعة توقف يسيرا، وبعث فرسانه لينهضوا الثابتين منهم على إسلامهم، ويعينهم على من ارتاب، وهرب المرتدون إلى مكان بعيد .. إلى دومة الجندل من أهداف جيش أسامة، ولا على طريقه، فما إن عادت إلى خيوله، حتى مضى بجيشه إلى "الحمقتين" فأغار عليها، وكان بها بنو الضبيب من جذام، وبنو خليل من لخم فهزم من هناك حتى "آبل" في إغارة شديدة سريعة، وسبى وحرق بالنار منازلهم وحرثهم ونخلهم، حتى صارت أعاصير من الدخان، وأجال الخيل في نواحيهم، وقضى يومه في تعبئة ما أصابوا من غنائم، ثم لم يقم وإنما كر راجعا من مساء يومه، حتى قدم وادي القرى في تسع ليال، ثم قدم المدينة سالما غانما، وقد غاب عنها خمسة وثلاثين يوما، وقيل: غاب شهرين وأياما، عاد الجيش بلا ضحايا وقال عنه المسلمون يومئذ:"ما رأينا جيشا أسلم من جيش أسامة"(١).
[مواقف بطولية]
قال محمد بن سيرين: إن المسلمين انتهوا إلى حائط قد أغلق بابه فيه رجال من المشركين، فجلس البراء - رضي الله عنه - على ترس فقال: ارفعوني برماحكم فألقوني إليهم، فرفعوه