وقال الأستاذ الهضيبي وهو يقص أحداث هذه المقابلة بعد سنوات طويلة إنه كان يشعر وهو يجلس مع الملك أنه أمام طفل صغير ولم يشعر نحوه برهبة أو حتى احترام (١).
[حمية العرب في الجاهلية]
المهلهل بن ربيعة الذي اشتهر عند الناس باسم الزير سالم، كان رجل شهوات في حياته، رجل كأس وطاس، وزير نساء، ولكن حينما قتل أخوه كليب أبى إلا أن يطلِّق هذه الأمور كلها، وأن يعيش لشيء واحد أن يثأر لأخيه المقتول وقال في ذلك قولته:
ولست بخالع درعي وسيفي ... إلى أن يخلع الليل النهار
ولم يخلع درعه ولا سيفه حتى أخذ بثأر أخيه وانتقم من بني بكر، وفي يوم من الأيام قتل أحد كبرائهم فقال بعضهم: يكفيك هذا بكليب، قال: هذا يبوء بشسع نعل كليب.
هذه حمية العرب في الجاهلية.
وهذا عمرو بن كلثوم كان عند ملك الحيرة عمرو بن منذر -أو عمرو بن هند- وكانت معه أمه فأرادت أم الملك أن تستخدمها في بعض الأشياء فأمرتها أن تأتي لها ببعض الأشياء فكبر ذلك عند المرأة أم الفارس عمرو بن كلثوم، وأخبرت بذلك ابنها فثار وقال قصيدته الشهيرة، قصيدة عمرو بن كلثوم التي قالوا فيها إنها كانت حوالي ألف بيت وما بقي منها هو ما حفظه الرواة، ومنها:
وأنا المانعون إذا غضبنا ... وأنا المانحون إذا رضينا
وأنا نورد الرايات بيضا ... ونصدرهن حمرا قد روينا
إذا بلغ الفطام لنا رضيع ... تخر له الجبابر ساجدينا
وكانت أن قامت معركة بعد ذلك بينه وبين عمرو بن هند وقد قتل عمرو بن هند ملك الحيرة.