بن عبيد، فحمل رجل من المسلمين، على صف الروم حتى دخل بينهم فصاح الناس وقالوا: سبحان الله يلقي بيده إلى التهلكة، فقام أبو أيوب الأنصاري فقال: أيها الناس أنتم تتأولون هذه الآية هذا التأويل، وإنما نزلت فينا معشر الأنصار، لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه قال بعضنا لبعض سرًّا دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن أموالنا قد ضاعت، وإن الله تعالى أعز الإسلام وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا وأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله تعالى على نبيه ما يرد علينا ما قلناه:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة: ١٩٥] وكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحنا وتركنا الغزو، فما زال أبو أيوب شاخصًا في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم.
إن البشر إلى فناء، وإن العقيدة إلى بقاء، ومنهج الله للحياة مستقل في ذاته، فإذا كان العمر مكتوبًا، والأجل مرسومًا، فلتنظر نفس ما قدمت لغد؟ ولتنظر نفس ماذا تريد؟ أتريد أن تقعد عن تكاليف الإيمان، وأن تحصل همها كله في هذه الأرض، وأن تعيش لهذه الدنيا وحدها؟ أم تريد أن تتطلع إلى أفق أعلى، وإلى اهتمامات أرفع، فالخوف والهلع والحرص لا تطيل أجلاً، والشجاعة والثبات والإقدام لا تقصر عمرًا، فلا نامت أعين الجبناء.
[أريد أن أطأ بعرجتي في الجنة]
كان عمرو بن الجموح - رضي الله عنه - أعرج شديد العرج، وكان له أربعة بنين شباب، يغزون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا غزا، فلما توجهوا إلى أحد أراد أن يتوجه معهم، فقال له بنوه: إن الله قد جعل لك رخصة، فلو قعدت ونحن نكفيك، وقد وضع الله عنك الجهاد، فأتى عمرو بن الجموح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إن بني هؤلاء يمنعوني أن أخرج
معك، والله إني لأرجو أن أستشهد، فأطأ بعرجتي هذه في الجنة، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما أنت فقد وضع الله عنك الجهاد، وقال لبنيه: وما عليكم أن تدعوه؟ لعل الله أن يرزقه الشهادة" فخرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقتل يوم أحد شهيدًا.
كم كان مشتاقًا إلى دخول الجنة بالعمل لا بالقول فحسب، فالتضحية بالنفس تكون بالدعاء ليل نهار أن يرزقك الله الشهادة، وتتصف بصفات المجاهدين، وتضحي بنفسك كما فعل سحرة فرعون.