فما برحت حتى نزلت عليه طيور فأكلته، فلما أتيت المدينة ذهبت إلى دار والدته فلما قرعت الباب خرجت أخته إلي فلما رأتني عادت وقالت: يا أماه هذا أبو قدامة ليس معه أخي، فقد أُصبنا في العام الأول بأبي، وفي هذا العام بأخي.
فخرجت أمه إلي فقالت: أمعزيًا أم مهنئًا؟
فقلت: ما معنى هذا؟
فقالت: إن كان مات فعزني، وإن كان استُشهد فهنئني.
فقلت: لا بل مات شهيدًا.
فقالت: له علامة فهل رأيتها.
قلت: نعم لم تقبله الأرض ونزلت الطيور فأكلت لحمه وتركت عظامه فدفنتها.
فقالت: الحمد لله. فسلمت إليها الخرج ففتحته فأخرجت منه مسحًا وغلاً من حديد.
وقالت: إنه كان إذا جنه الليل لبس هذا المسح وغل نفسه بهذا الغُل وناجى مولاه، وقال في مناجاته: اللهم احشرني من حواصل الطيور. فقد استجاب الله دعاءه.
[صور أخرى]
وذكر البنا رحمه الله صورًا وألوانًا أخرى للجهاد فقال:
١ - من الجهاد في الإسلام أيها الحبيب: عاطفة حية قوية تفيض حنانًا إلى عز الإسلام ومجده، وتهفو شوقًا إلى سلطانه، وتبكي حزنًا على ما وصل إليه المسلمون من ضعف، وما وقعوا فيه من مهانة، وتشتعل ألمًا على هذه الحال التي لا ترضي الله ولا ترضي الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
لمثل هذا يذوب القلب من كمد ... إن كان في القلب إسلام وإيمان
٢ - من الجهاد في سبيل الله أيها الحبيب: أن يحملك هذا الهم الدائم والجوى اللاحق على التفكير الجيد في طريق النجاة، وتلمس سبيل الخلاص، وقضاء وقت طويل في فكرة عميقة تمحص بها سبل العمل وتتلمس فيها أوجه الحيل لعلك تجد لأمتك منفذًا أو تصادف منقذًا، ونية المرء خير من عمله، والله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
٣ - ومن الجهاد في سبيل الله أيها الحبيب: أن تنزل عن بعض وقتك وبعض مالك، وبعض مطالب نفسك لخير الإسلام والمسلمين، فإن كنت قائدًا ففي مطالب القيادة تنفق،