فلما كان بعد الغد مر بها وقد يئست منه فلم تقل شيئا، فأشار لها رجل من خلفه أن قومي إليه وكلميه، فقامت إليه فقالت: يا رسول الله، هلك الولد، وغاب الوافد، فامنن علي منَّ الله عليك، فقال:"قد فعلت" فقالت: إني أريد اللحاق بأهلي في الشام، فقال الرسول:"ولكن لا تعجلي بالخروج حتى تجدي من تثقين به من قومك ليبلغك بلاد الشام، فإذا وجدت الثقة فأعلميني"، ولما انصرف الرسول - صلى الله عليه وسلم - سألت عن الرجل الذي أشار عليها أن تكلمه، فقيل لها: إنه علي بن أبي طالب، ثم أقامت حتى قدم ركب فيهم من تثق به، فجاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالت: يا رسول الله، لقد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ، فكساها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومنحها ناقة تحملها، وأعطاها نفقة تكفيها، فخرجت مع الركب، قال عدي: ثم جعلنا بعد ذلك نترقب قدومها، ونحن لا نكاد نصدق ما روي من خبرها مع محمد وإحسانه إليها، فوالله إني لقاعد في أهلي إذ أبصرت امرأة في هودجها تتجه نحونا، فقلت: ابنة حاتم، فإذا هي هي، فلما وقفت علينا قالت: القاطع الظالم، لقد احتملت بأهلك وولدك وتركت بقية ولدك وعورتك، فقلت: أي أخية، لا تقولي إلا خيرا، وجعلت أسترضيها حتى رضيت، وقصت علي خبرها، فقلت لها: ما ترين في أمر الرجل (محمد)؟ فقالت: أرى -والله- أن تلحق به سريعا، فإن يكن نبيا فللسابق إليه فضله، وإن يكن ملكا فلن تذل عنده وأنت وأنت (١).
تذكر عفو الرسول، ولا تغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله.
[ودارت الأيام وأسلم]
لما انتهت غزوة بدر ووقف الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة يستعرضون أسرى المشركين إذا هم يجدون سهيل بن عمرو أسيرا في أيديهم، فلما مثل سهيل بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - نظر إليه عمر بن الخطاب وقال: دعني يا رسول الله أنزع ثنيتيه حتى لا يقوم بعد اليوم خطيبا في محافل مكة، ينال من الإسلام ونبيه، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "دعهما يا عمر، فلعلك ترى منهما ما يسرك إن شاء الله".
ثم دارت الأيام، وكان صلح الحديبية، فبعثت قريش سهيل بن عمرو لينوب عنها في إبرام الصلح، فتلقاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومعه طائفة من صحبه فيهم ابنه عبد الله بن سهيل، ثم