دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب لكتابة العقد، وشرع يملي عليه فقال:"اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم"، فقال سهيل: نحن لا نعرف هذا، ولكن اكتب: باسمك اللهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي:"اكتب باسمك اللهم"، ثم قال:"اكتب: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله"، فقال سهيل: لو نعلم أنك رسول الله لم نقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"والله إني لرسول الله وإن كذبتموني، اكتب محمد بن عبد الله" ثم أتم العقد وعاد سهيل بن عمرو مزهوا بما كان يظن أنه حققه من نصر لقومه على محمد.
ثم دارت الأيام دورتها كرة أخرى، وإذا بقريش تهزم ويدخل النبي مكة فاتحا، وإذا المنادي ينادي: يا أهل مكلة، من دخل بيته فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن، ومن دخل بيت أبي سفيان فهو آمن، فما إن سمع سهيل النداء حتى دب في قلبه الذعر، وأغلق على نفسه باب بيته، وسقط في يده، يقول سهيل: أرسلت في طلب ابني عبد الله، وأنا أستحي أن تقع عيني على عينه، لما كنت قد أسرفت في تعذيبه على الإسلام، فلما دخل علي قلت له: اطلب لي جوارا من محمد، فإني لا آمن أن أقتل، فذهب عبد الله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: أبي، أتؤمنه يا رسول الله جعلت فداك؟ قال:"نعم هو آمن بأمان الله، فليظهر"، ثم التفت إلى أصحابه وقال:"من لقي منكم سهيلا فلا يسئ لقاءه، فلعمري إن سهيلا له عقل وشرف وما مثل سهيل يجهل الإسلام، ولكن قدر فكان"، أسلم سهيل بن عمرو بعد ذلك إسلاما ملك عليه قلبه ولبه، وأحبه الرسول من فؤاده، قال الصديق: لقد نظرت إلى سهيل بن عمرو في حجة الوداع قائما بين يدي رسول الله، وهو يقدم له البدن، ورسول الله ينحرها بيده الكريمة، ثم دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - الحلاق فحلق رأسه، فنظرت إلى سهيل، وهو يلتقط الشعرة من شعر النبي ويضعها على عينيه فذكرت يوم الحديبية، وكيف أبى أن يكتب محمد رسول الله فحمدت الله أن هداه (١).
لا تكن صلبا مع الآخرين فتكسر، ولا لينا فتعصر، ولكن كن مرنا معتدلا عفوا متسامحا.