المزيفة التي تجري تحت قباب مجالس لم تجن من ورائها الشعوب إلا المرارة والاستبداد والظلم والضياع.
[اختيار الولاة]
كان اختيار الولاة يتم بعد مشاورة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لكبار الصحابة، فقد قال لأصحابه يوما: دلوني على رجل إذا كان في القوم أميرا فكأنه ليس بأمير، وإذا لم يكن بأمير فكأنه أمير، فأشاروا إلى الربيع بن زياد، وقد استشار عمر بن الخطاب فيمن يولي على أهل الكوفة فقال لهم: من يعذرني من أهل الكوفة ومن تجنيهم على أمرائهم إن استعملت عليهم عفيفا استضعفوه، وإن استعملت عليهم قويا فجروه، ثم قال: أيها الناس ما تقولون في رجل ضعيف غير أنه مسلم تقي، وآخر قوي مشدد أيهما الأصلح للإمارة؟ فتكلم المغيرة بن شعبة قال: يا أمير المؤمنين إن الضعيف المسلم إسلامه لنفسه وضعفه عليك وعلى المسلمين، والقوي المشدد فشداده على نفسه وقوته لك وللمسلمين فأعمل في ذلك رأيك، فقال عمر: صدقت يا مغيرة، ثم ولاه الكوفة، وقال له: انظر أن تكون ممن يأمنه الأبرار ويخافه الفجار، فقال المغيرة: أفعل ذلك يا أمير المؤمنين.
[شورى خامس الخلفاء الراشدين]
جاء أن عمر بن عبد العزيز جمع قراء الشام والفقهاء وقال: إني قد دعوتكم لأمر هذه المظالم التي في يد أهل بيتي، فما ترون فيها؟
فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن ذلك أمر كان في غير ولايتك، وإن وزر هذه المظالم على من غصبها. فلم يرتح إلى ما قالوه، فالتفت إليه أحدهم ممن كان يرى غير رأيهم، وقال: ابعث يا أمير المؤمنين إلى عبد الملك، فإنه ليس دون من دعوت علما، فلما دخل عليه عبد الملك قال له عمر ما ترى في هذه الأموال التي أخذها بنو عمنا من الناس ظلما؟ وقد حضر أصحابها وجعلوا يطلبونها، وقد عرفنا حقهم فيها؟
فقال: أرى أن تردها إلى أصحابها ما دمت قد عرفت أمرها، وإنك إن لم تفعل، كنت شريكا للذين أخذوها ظلما. فانبسطت أسارير عمر، وارتاحت نفسه، وزال عنه ما أهمه، بفضل الشورى (١).