إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه.
وقال أبو سليمان الداراني: كنت أنظر إلى الأخ من إخواني بالعراق فأعمل على رؤيته شهرًا، ويقال: إنما الأخ الذي تعظك رؤيته قبل أن يعظك بكلامه.
ويقول البنا: إن ذلك المهاجر الذي كان يترك أهله، ويفارق أرضه في مكة، ويفر بدينه، كان يجد أمامه أبناء الإسلام من فتيان يثرب ينتظرون، وكلهم شوق إليه وحب له وسرور بمقدمه، وما كان لهم سابق معرفة ولا قديم حيلة، وما ربطهم به وشيجة من صهر أو عمومة، وما دفعتهم إليه غاية أو منفعة.
وإنما هي عقيدة الإسلام جعلتهم يحنون إليه ويتصلون به، ويعدونه جزءًا من أنفسهم، وشقيقًا لأرواحهم، وما هو إلا أن يصل المسجد حتى يلتف حوله الغر الميامين من الأوس والخزرج، كلهم يدعوه إلى بيته ويؤثره على نفسه، ويفديه بروحه وعياله، ويتشبث بمطلبه هذا حتى يؤول الأمر إلى الاقتراع، حتى روى الإمام البخاري:"ما نزل مهاجري على أنصاري إلا بقرعة".
وحتى خلد القرآن للأنصار ذلك الفضل أبد الدهر، فما زال يبدو غرة مشرقة في جبين السنين في قول الله تبارك وتعالى:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر: ٩].
[أمر إلهي]
يقول تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا}[آل عمران: ١٠٣].
يقول سيد قطب: "هذه الأخوة المعتصمة بحبل الله نعمة يمتن الله بها على الجماعة المسلمة الأولى، وهي نعمة يهبها الله لمن يحبهم من عباده دائمًا .. وهو هنا يذكرهم بهذه النعمة، يذكرهم كيف كانوا في الجاهلية أعداء، وما كان أعدى من الأوس والخزرج في المدينة أحد، وهما الحيان العربيان في يثرب، يجاورهما اليهود الذين كانوا يوقدون حول هذه العداوة وينفخون في نارها حتى تأكل روابط الحيين جميعًا، ومن ثم تجد يهود مجالها الصالح الذي لا تعمل إلا فيه، ولا تعيش إلا معه، فألف الله بين قلوب الحيين من العرب بالإسلام، وما كان إلا الإسلام وحده يجمع هذه القلوب المتنافرة، وما كان إلا