بشيء، فظن الخليفة أنه لم يسمعه، فمال عليه أكثر من ذي قبل وقال: رغبت بأن تسألني حاجة لأقضيها لك.
فقال سالم: والله إني لأستحي أن أكون في بيت الله، ثم أسأل أحدًا غيره، فخجل الخليفة وسكت، لكنه ظل جالسا في مكانه، فلما قضيت الصلاة نهض سالم يريد المضي إلى رحله، فلحقت به جموع الناس، هذا يسأله عن حديث من أحاديث رسول الله، وذاك يستفتيه في أمر من أمور الدين، وثالث يستنصحه في شأن من شئون الدنيا، ورابع يطلب منه الدعاء.
وكان في جملة من لحق به خليفة المسلمين سليمان بن عبد الملك، فلما رآه الناس، وسعوا له حتى حاذي منكبه منكب سالم بن عبد الله، فمال عليه وهمس في أذنه قائلا: ها نحن أولاء قد غدونا خارج المسجد، فسلني حاجة أقضها لك.
فقال سالم: من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟
فارتبك الخليفة وقال: بل من حوائج الدنيا.
فقال له سالم: إنني لم أطلب حوائج الدنيا ممن يملكها، فكيف أطلبها ممن لا يملكها؟ فخجل الخليفة منه وحياه، وانصرف عنه وهو يقول: ما أعزكم آل الخطاب بالزهادة والتقى! بارك الله عليكم من آل بيت (١).
هل تفكر دائما في الآخرة أم في متطلبالت الدنيا وكمالياتها؟
[العز بن عبد السلام وعزة العلماء]
كان الشيخ الجليل عز الدين بن عبد السلام قد تولى منصب قاضي القضاة، وما إن تولى هذا المنصب حتى لاحظ أن أمراء البلاد وقادة الجيش ليسوا من أهل مصر وليسوا أحرارا على الإطلاق، بل هم مجلوبون اشتراهم السلطان من بيت المال وهم صغار، فتعلموا اللغة العربية وعلوم الدين والفروسية والحرب، وعندما شبوا عينهم في مناصبهم فهم أمراء مماليك عبيد، إذن فليس لهم حقوق الأحرار ولهذا فليس لهم أن يتزوجوا بحرائر النساء، وليس لهم أن يبيعوا أو يتصرفوا إلا كما يتصرف العبيد.