للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التحقيق الإجابة، وأمرني بالانصراف ولم يطلب مني أن أدفع كفالة كما طلب النائب العام.

ولاحظت وأنا أتحدث إلى الهضيبي أنه رجل قليل الكلام، نتوهم أنه صارم بينما هو رجل رقيق، هادئ، فيه طيبة ممتزجة بالذكاء الحاد، قوي الملاحظة، ثم عرفته بعد ذلك في سجن ليمان طره. حيث كانت زنزانته بجوار زنزانتي.

جذبني صموده وقوة احتماله، يقابل البطش بابتسامة سخرية، ويرد على الظلم بالإيمان، يناقشك بهدوء، لا يغضب، ولا يحتد ولا يشكو، حرموه عدة شهور من أن يتلقي أي خطاب من زوجته وبناته، وكان أولاده مسجونين في سجن آخر، وكلفت إحدى تلميذاتي أن تتصل بابنته المدرسة بكلية طب القصر العيني لتقول لها: إن والدها بخير، وهذه هي الرسالة الوحيدة التي رضي أن أحملها لأسرته (١).

[من المواقف المؤثرة]

كان ذلك عام ١٩٤٥ قبل عيد الفطر بأسابيع، إذ تقدم أخ فقال لإخوانه: أيكم يحتاج إلى أي شيء بمناسبة العيد؟ فقال له الأخ: أنا أحتاج إلى بدلة وأريد أن ترشدني إلى ترزي يفصل لي بدلة بالتقسيط، فقال له الأخ: غدا أرشدك، ثم ذهب الأخ المسئول إلى ترزي له صلة بالإخوان وقال له: إن الأخ سوف يأتيك كي تقوم بتفصيل بدلة له، فلا تأخذ منه أي شيء، وسوف أقوم أنا بتسديد قيمة البدلة لك، ولى الأخ البدلة في العيد، وسأله الإخوان من أين اشتريت القماش ومن الذي قام بالتفصيل، فيقول: من عند الترزي فلان، فيذهب الإخوان لهذا الترزي ويطلبون مثل ما طلب الأخ، ولكنهم يكتشفون أن هذا الترزي لا يفصل بالتقسيط، وأن الأخ المسئول قام بدفع القيمة كاملة ثم أخذ من الأخ المبلغ على دفعات دون أن يعرف حقيقة الأمر، وكانت هذه القصة دليلاً صارخًا على أسمى معاني الحب والإيثار (٢). فهل تحرص على إيثار إخوانك بمالك؟

[كريم رغم الفقر]

كان العز بن عبد السلام رغم فقره كريمًا كثير الصدقات، فيحكي أنه لما كان بدمشق،


(١) حكايات عن الإخوان (٢/ ١٧ - ١٩)، والأخبار ١٢ يونيو ١٩٨٦ م.
(٢) حكايات عن الإخوان (١/ ٢٤) بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>