مر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بشيخ من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس، فقال: ما أنصفناك، إن كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك، ثم ضيعناك في كبرك. ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه، ويقول عمر: لو مات جمل ضياعا على شط الفرات، لخشيت أن يسألني الله عنه.
والإسلام يأمر بالعدل مع النفس بأن يوازن بين حق نفسه، وحق ربه، وحقوق غيره، قال رسول الله لعبد الله بن عمرو حين جار على حق نفسه بمداومة صيام النهار وقيام الليل:"إن لبدنك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا" متفق عليه.
يأمر الإسلام بالعدل في القول فلا يخرجه الغضب عن قول الحق ولا يدخله الرضا في قول الباطل قال تعالى:{وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}[الأنعام: ١٥٢].
العدل في الشهادة:{قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ}[المائدة: ٨].
يقول سيد قطب: وتدبير الله لهذا الكون ولحياة الناس متلبس دائما بالقسط وهو العدل، فلا يتحقق العدل المطلق في حياة الناس، ولا تستقيم أمورهم استقامة أمور الكون، التي يؤدي كل كائن معها دوره في تناسق مطلق مع دور كل كائن آخر، لا يتحقق هذا إلا بتحكيم منهج الله الذي اختاره لحياة الناس، وبينه في كتابه، وإلا فلا قسط ولا عدل، ولا استقامة ولا تناسق، ولا تلاؤم بين دورة الكون ودورة الإنسان، وهو الظلم إذن والتصادم والتشتت والضياع.
وها نحن نرى على مدار التاريخ أن الفترات التي حكم فيها كتاب الله وحدها هي التي ذاق فيها الناس طعم القسط، واستقامت حياتهم استقامة دورة الفلك بقدر ما تطيق طبيعة البشر المتميزة بالجنوح إلى الطاعة والجنوح إلى المعصية، والتأرجح بين هذا وذاك، والقرب من الطاعة كلما قام منهج الله، وحكم في حياة الناس كتاب الله، وأنه حيثما حكم في حياة الناس منهج آخر من صنع البشر، لازمه جهل البشر وقصور البشر، كما