للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأشهاد وقال: يا معشر المسلمين، ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله؛ بئس ما عودتم أعداءكم من الجرأة عليكم، وبئس ما عودتم أنفسكم من الانخذال لهم، ثم رفع طرفه على السماء وقال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء من الشرك -يعني مسيلمة وقومه-، وأبرأ إليك مما يصنع هؤلاء -يعني المسلمين-.

ثم هب هبة الأسد الضاري كتفًا لكتف مع الغر الميامين: البراء بن مالك الأنصاري، وزيد بن الخطاب أخو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وسالم مولى أبي حذيفة وغيرهم وغيرهم من المؤمنين السابقين، وأبلى بلاء عظيمًا ملأ قلوب السلمين حمية وعزمًا، وشحن أفئدة الشركين وهنًا ورعبًا. وما زال يجالد في كل اتجاه، ويضارب بكل سلاح حتى أثخنته الجراح، فخر صريعًا على أرض المعركة، قرير العين بما كتب الله له من الشهادة التي بشره بها حبيبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثلوج الصدر بما حقق الله على يديه للمسلمين من النصر.

ولم يقف بهم الشوق إلى الشهادة لنيل الجنة إلى هذا الحد، ولكنهم وجدوا ريح الجنة في مكان نيلها، وهم أحياء قبل الشهادة (١).

[يا فلسطين]

كيف أبدي بأحرف ما أريد ... وبماذا تراه يحكي القصيد

كل يوم تدق بابي عظات ... ويهز الفؤاد خطب جديد

لك الله يا شعب فلسطين، صراخ وعويل وأنين، وقتل وتشريد للمدنيين، هتك عرض، ونهب أرض، وهدم بيوت، وأنفس تقتل وتموت، وآلاف المعتقلين بالسجون، وجرحى ومصابون، وآخرون مشوهون ومعاقون، فإنا لله وإنا إليه راجعون (٢).

كيف ننام ملء جفوننا، ونحن نرى صور الأمهات الثكالى، وهن ينتحبن بجوار جثث أبنائهن وأزواجهن. نساء ضعيفات عجائز كبيرات يرمقن الجنائز بعين الأسى والحسرة.

إلى متى تلك المجازر يا بني ... قومي أما اهتزت لكم أعراق

أوليس من قُتلوا ومن صُلبوا ... لنا أهلاً فأين البر والإشفاق


(١) خير القرون: (٢/ ٢٠٦ - ٢٠٧).
(٢) عندما ينطق الحجر: ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>