أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعلو الهمة فقال:"من كانت الآخرة همه، جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهى راغمة، ومن كانت الدنيا همه، جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له"[رواه الترمذي].
ويعلمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علو الهمة في الدعاء، قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة"[رواه البخاري].
ويخطئ كثير من الناس حين يصفون الكفار بعلو الهمة، لأن الهمة العالية حكر على طلاب الآخرة، وهي من عزتها تأنف أن تسكن قلبا قد تنجس بالكفر، وبين تعالى أن الدار الآخرة هي الحياة الحقيقية فقال تعالى:{وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[العنكبوت: ٦٤].
يقول ابن الجوزي: إذا اعتقدت أنك مخلوق للصغير من الأمور لم تبلغ من الحياة إلا الصغير، وإذا اعتقدت أنك مخلوق لعظائم الأمور شعرت بهمة تكسر الحدود والحواجز، وتنفذ منها إلى الساحة الفسيحة والغرض الأسمى.
ومصداق ذلك حادث في الحياة المادية، فمن دخل مسابقة مائة متر شعر بالتعب إذا هو قطعها، ومن دخل مسابقة أربعمائة متر لم يشعر بالتعب من المائة والمائتين، فالنفس تعطيك من الهمة بقدر ما تحدد من الغرض، حدد غرضك وليكن ساميا صعب المنال، ولكن لا عليك في ذلك ما دمت كل يوم تخطو إليه خطوة جديدة، إنما يصد النفس ويعبسها ويجعلها في سجن مظلم: اليأس وفقدان الأمل، والعيشة السيئة برؤية الشرور، والبحث عن معايب الناس والتشدق بالحديث عن سيئات العالم لا غير (١).