وضع هارون الرشيد طعاما وزخرف مجالسه وزينها، وأحضر أبا العتاهية، وقال له: صف لنا ما نحن فيه من نعيم هذه الدنيا.
فقال أبو العتاهية:
عش ما بدا لك سالما ... في ظل شاهقة القصور
فقال الرشيد: أحسنت، ثم ماذا؟ فقال:
يسعى إليك بما اشتهيت ... لدى الرواح وفي البكور
فقال: حسن، ثم ماذا؟
فقال أبو العتاهية مندفعا:
فإذا النفوس تقعقعت ... في ظل حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقنا ... ما كنت إلا في غرور
فبكى الرشيد، فزجر أحد الحاضرين أبا العتاهية لأن المقام مقام فرح وسرور، فقال الرشيد: دعه، فإنه رآنا في عمى فكره أن يزيدنا منه (١).
[الترفع عن الذلة]
كما حدث في غزوة أحد فعندما وقف أبو سفيان في نهاية المعركة، وقال: أفي القوم محمد؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تجيبوه"، فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تجيبوه"، فقال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تجيبوه" ثم التفت إلى أصحابه فقال: إن هؤلاء قتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا، فلم يملك عمر - رضي الله عنه - نفسه فقال. كذبت يا عدو الله، أبقى الله عليك ما يخزيك، قال أبو سفيان، اعل هبل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أجيبوه"، فقالوا: ما نقول؟ قال:"قولوا: الله أعلى وأجل"، قال أبو سفيان: لنا العزى، ولا عزى لكم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أجيبوه"، قالوا: ما نقول؟ قال:"قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم"، قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال،