للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ماذا فعلت لما بعد الموت؟]

يستطيع الإنسان الذي رزق التوفيق في إنفاق وقته أن يطيل عمره، ويمد حياته إلى ما شاء الله بعد موته، فيحيا وهو ميت، ويؤدي رسالة الأحياء وهو مقبور، وإنما يكون ذلك إذا ترك وراءه ما ينتفع الناس به بعده من علم نافع أو عمل صالح أو أثر طيب أو سنة حسنة اقتدى بها أو مؤسسة خيرية ظلت تؤتي ثمارها من بعده أو ذرية صالحة أحسن تربيتها فكانت امتدادًا لحياته وحسن سيرته، عن أبي هريرة عن النبي قال: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" [رواه مسلم].

دقات قلب المرء قائلة له: ... إن الحياة دقائق وثوان

فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها ... فالذكر للإنسان عمر ثان

[وقفة]

فرق كبير بين من يموت والقلوب عليه ولهى، والأعين عليه باكية، والألسنة كلها تثني عليه بالخير وتدعو له بالرحمة، ومن يموت ولا تبكي عليه عين، ولا يحزن لفراقه قلب، ولا يترحم عليه إنسان، شأن الذين عاشوا في الحياة سلبيين، أو ظالمين متجبرين، كذلك الذي قال فيه الشاعر:

فذاك الذي إن عاش لم ينتفع به ... وإن مات لم تحزن عليه أقاربه

وإذا كان من سن سنة حسنة له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، فإن من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، وإذا كان من ترك علما نافعا لم ينقطع عمله الصالح، فإن من ترك أثرا سيئا وفكرا مضللاً لم ينقطع أيضا عمله الطالح.

طوبى لمن إذا مات ماتت معه ذنوبه، وويل لمن يموت وذنوبه باقية من بعده.

[هكذا استغلوا أوقاتهم]

نقل عن ابن الجوزي أن براية أقلامه التي كتب بها الحديث جمعت فحصل منها شيء كثير وأوصى أن يسخن بها الماء الذي يغسل به بعد موته، ففعل ذلك فكفت وفضل منها.

<<  <  ج: ص:  >  >>