الأحنف بن قيس أحد حلماء العرب الذين ضرب بحلمهم المثل، وقد بلغ من حلمه أن "عمرو بن الأهتم" أغرى رجلا بسبه سبًّا يثيره، لكن الأحنف ظل صامتا مطرقا، فلما رأى الرجل أنه لا يجيبه، ولا يأبه به، أخذ إبهامه في فمه، وجعل يعضه وهو يقول: واسوأتاه! والله ما منعه من جوابي إلا هواني عليه (١).
ويحكى أيضا أن رجلا شتمه فلم يرد عليه، وتركه ومشي في طريقه فأصر الرجل على المشي وراء الأحنف، وزاد في سبه وشتمه، والأحنف لا يرد عليه، فلما اقترب الأحنف من الحي الذي يعيش فيه وقف والتفت إلى الرجل، وقال: إن كان قد بقى في نفسك شيء فقله قبل أن يسمعك فتيان الحي من قومي فيؤذوك، ونحن لا نحب الانتصار لأنفسنا. فظهر الخجل على وجه الرجل، وعاد نادما.
يقول الشيطان: كيف يغلبني ابن آدم وإذا رضي جئت لأكون في قلبه، وإذا غضب طرت لأكون في رأسه.
فهل تنصاع لكلام الشيطان وتجعله يدخل في رأسك ويوسوس لك بالشر والانتقام لنفسك؟
قال الأحنف لابنه يومًا: يا بني إن أردت أن تؤاخي رجلا، فأغضبه حتى تختبره، فإن أنصفك وإلا فاحذره.
[إذا استشاط السلطان تسلط الشيطان]
جاء أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رأى سكران، فأراد أن يأخذه ليعاقبه، فشتمه السكران، فرجع عنه عمر، فقيل له: يا أمير المؤمنين، لما شتمك تركته.
قال: إنما تركته لأنه أغضبني، فلو عاقبته، كنت انتصرت لنفسي، ولا أحب أن أضرب مسلما لحمية نفسي، فانتظرت حتى أهدأ من غضبي.
واسمع ما قاله أبو ذر - رضي الله عنه - لخادمه ذات يوم: لم أرسلت الشاة على علف الفرس؟
فقال الخادم: أردت أن أغضبك، فأمسك أبو ذر نفسه، فقال للخادم: لأجمعن غيظا مع أجر، اذهب فأنت حر لوجه الله.