لقد كان عبادة بن الصامت من الصحابة الأجلاء، أسود اللون، وكان رئيس الوفد الذي أرسله عمرو بن العاص لمفاوضة المقوقس عظيم القبط، فضاق به المقوقس لسواده وبسط جسمه، وطلب من الوفد أن يتكلم غيره فردوا عليه: إن هذا أفضلنا رأيا وعلما، وهو سيدنا وخيرنا، وقد أمره الأمير علينا فلا نخالف أمره. فعجب المقوقس، كيف يكون الأسود أفضلهم؟ فردوا عليه بأن الألوان ليست ما يقاس به الرجل.
إن الإسلام لا يعرف في تقييم البشر إلا الخلق والمواهب الفاضلة.
[عمر والعدل]
كان جبلة بن الأيهم آخر أمراء بني غسان، من قبل هرقل، وإن الغساسنة يعيشون تحت إمرة دولة الروم، وكان الروم يحرضونهم دائما على غزو الجزيرة العربية، خاصة بعد نزول الإسلام، ولما انتشرت الفتوحات الإسلامية، وتوالت انتصارات المسلمين على الروم، أخذت القبائل العربية في الشام تعلن إسلامها فبدا للأمير الغساني أن يدخل الإسلام هو أيضا، فأسلم وأسلم ذووه معه، وكتب إلى الفاروق يستأذنه في القدوم إلى المدينة، ففرح عمر بإسلامه وقدومه، فجاء إلى المدينة وأقام بها زمنا والفاروق يرعاه ويرحب به، ثم بدا له أن يخرج إلى الحج، وفي أثناء طوافه بالبيت الحرام وطيء إزاره رجل من بني فزارة فحله، فغضب الأمير الغساني لذلك، وهو حديث عهد بالإسلام، فلطمه لطمة قاسية هشمت أنفه، وأسرع الفزاري إلى أمير المؤمنين يشكو إليه ما حل به، وأرسل الفاروق إلى جبلة يدعوه إليه، ثم سأله فأقر بما حدث فقال له عمر: ماذا دعاك يا جبلة لأن تظلم أخاك هذا فتهشم أنفه؟ فأجاب بأنه قد ترفق كثيرا بهذا البدوي (وأنه لولا حرمة البيت الحرام لأخذت الذي فيه عيناه) فقال له عمر: لقد أقررت، فإما أن ترضي الرجل وإما أن أقتص منك، وزادت دهشة جبلة بن الأيهم لكل هذا الذي يجري، وقال: وكيف ذلك وهو سوقة وأنا ملك؟ فقال عمر: إن الإسلام قد سوى بينكما، فقال الأمير الغساني، لقد ظننت يا أمير المؤمنين أن أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية.
فقال الفاروق: دع عنك هذا فإنك إن لم ترض الرجل اقتصصت منك. فقال جبلة: إذن أتنصر.