الأشياء التي تضعها الدوائر الحكومية والمؤسسات التجارية في خدمة موظفيها كالأوراق والأقلام وغيرها من المهملات؛ إذ كان يحرم على نفسه وذويه استعمال شيء منها في شان خاص، وكان يعود من المحكمة -وهو قاض أو محقق- وفي حقيبته أكداس من ورق التسويد الرخيصة ليخطط عليها مشروعات القرارات والأحكام القضائية، فلا يسمح لنفسه قط باستعمال ورقة منها -ولو كانت دون الإصبع- في أمر يخصه أو يخص واحدا من أهله، فإذا رآها واحد من أولاده في غرفته وطلب ورقة منها لبعض حاجته، أنكر عليه أبوه وأعطاه قرشا يشتري به ما يحتاج إليه من الورق، ثم لقنه أمام إخوته الدرس الذي لم ينسوه بأن أوراق الحكومة ملك لها لا يحل لأحد أن يستخدمها في شأن خاص به.
لا تستخدم شيئا خاصا بالعمل في مصلحتك الشخصية حتى الأشياء التافهة مثل الأوراق والأقلام إلا بإذن صاحب المؤسسة.
[الإفراج الصحي]
في عام ١٩٥٧م قررت لجنة من خمسة أطباء مسيحيين أن حالة الهضيبي تنذر بالهلاك، وأنها لا تستطيع تحمل المسئولية عن بقائه رهن الاعتقال، فصدر قرار بالإفراج الصحي عنه، نقل على أثره إلى بيته حيث توافرت له أسباب العلاج الذي أزاح الله به شبح الخطر عن حياة المرشد الصديق.
بيد أن الهضيبي -الذي يعي تبعات القيادة تجاه الجنود- ما لبث أن أخذه الجند إلى إخوانه وأبنائه المسجونين، ولم تطب نفسه أن يكون في نظر الطغاة ذلك الواهن الضعيف الذي يتلقف هذه الفرصة لينعم بحياة الدعة متميزا على إخوة له في الجهاد هو أولاهم بأوفر حظ من البلاء.
لذلك ما كاد يتنسم أريج العافية حتى سارع بالكتابة إلى السلطات يبلغها أنه قد عوفي بحمد الله من عارض المرض الذي أوجب عنه الإفراج، وأن باستطاعته العودة إلى السجن لقضاء باقي المدة المحكوم بها عليه.