وعن القاسم قال: صلى ابن عمر- رضي الله عنه - فقرأ قوله تعالى:{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ}[المطففين: ١] حتى بلغ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[المطففين:١ - ٦] فبكى ابن عمر حتى حنى ولم يقدر أن يكمل ما بعدها من الآيات.
وقال محمد بن كعب: لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح ({إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}[الزلزلة: ١] و {الْقَارِعَةُ}[القارعة: ١] لا أزيد عليهما، وأتفكر فيهما أحب إلي من أن أهذ القرآن هذَّا، أو قال: أنثره نثرا.
وقال الزهري: العلم ذكر لا يحبه إلا الذكور من الرجال.
ويقول المقريزي نقلا عن مجاهد: صليت خلف مسلمة بن مخلد فقرأ سورة البقرة فما ترك ألفا ولا واوا.
ويقول الحارت بن سعيد: أخذ بيدي رياح القيسي فقال: هلم يا أبا محمد حتى نبكي على مر الساعات، ونحن على هذه الحال، قال: وخرجت معه إلى المقابر فلما نظر إلى القبور صرخ، ثم خر مغشيًا عليه، قال: فجلست -والله- عند رأسه أبكي، فأفاق، فقال: ما يبكيك؟ قلت: لما أرى بك.
قال: لنفسك فابك، ثم قال: وانفساه! وانفساه! ثم غشي عليه.
قال: فرحمته -والله- مما نزل به، فلم أزل عند رأسه حتى أفاق، فوثب وهو يقول:{تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} ... {تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ}[النازعات: ١٢]، مضى على وجهه، وأنا أتبعه لا يكلمني حتى انتهى إلى منزله، فدخل ورجعت إلى أهلي، ولم يلبث بعد ذلك إلا يسيرا حتى مات.
ويقول منصور بن عمار دخلت الكوفة فبينما أنا أمشي في ظلمة الليل إذ سمعت بكاء رجل بصوت شجي من داخل دار وهو يقول إلهي، وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك، ولكن عصيتك بجهل مني، فالآن من ينقذني من عذابك؟ وبحبل من أعتصم إن قطعت حبالك عني؟ واذنوباه! واغوثاه! يا الله!
قال منصور بن عمار فأبكاني كلامه فوقفت فقرأت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ