قال: يا أستاذ لم أتعلم غيرها، وإني لا أحب أن أكذب.
فقال: هات هذه الثماني مسائل حتى أسمعها.
قال حاتم: نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد يحب محبوبا هو مع محبوبه إلى القبر، فإذا وصل إلى القبر فارقه، فجعلت الحسنات محبوبي، فإذا دخلت القبر دخل محبوبي معي.
فقال: أحسنت يا حاتم فما الثانية؟
فقال: نظرت في قول الله عز وجل: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (٤١)} [النازعات: ٤٠ - ٤١] فعلمت أن قوله سبحانه تعالى هو الحق فأجهدت نفسي في دفع الهوى حتى استقرت على طاعة الله تعالى.
الثالثة: أني نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل من معه شيء له قيمة ومقدار رفعه وحفظه، ثم نظرت إلى قوله تعالى:{مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ}[النحل: ٩٦] فكلما وقع معي شيء له قيمة ومقدار وجهته لله ليبقى عندي محفوظا.
الرابعة: أني نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد منهم يرجع إلى المال وإلى الحسب والشرف والنسب، فنظرت فيها فإذا هي لا شيء ثم نظرت إلى قول الله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات: ١٣] فعملت في التقوى حتى أكون عند الله كريما.
الخامسة: أني نظرت إلى هذا الخلق يطعن بعضهم في بعض ويلعن بعضهم بعضا وأصل هذا كله الحسد، ثم نظرت إلى قوله تعالى:{نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[الزخرف: ٣٢] فتركت الحسد واجتنبت الخلق وعلمت أن القسمة من عند الله سبحانه وتعالى فتركت عداوة الخلق عني.
السادسة: نظرت إلى هذا الخلق يبغي بعضهم على بعض ويقاتل بعضهم بعضا فرجعت إلى قوله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}[فاطر: ٦] فعاديته وحده واجتهدت في أخذ حذري منه لأن الله تعالى شهد عليه أنه عدو فتركت عداوة الخلق غيره.
السابعة: نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد منهم يطلب هذه الكسرة فيذل فيها نفسه، ويدخل فيها ما لا يحل له ثم نظرت إلى قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى