للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه أحسن صنعا حين لم يستقل بنفسه.

تذكر أبو حنيفة ذلك فأشفق على تلميذه وعزم على أن يرده إلى الحلقة حبا له وإشفاقا عليه، لا حسدا له وغيرة منه.

ولكن كيف يرده؟ لابد من إعمال الحيلة، ولن يعدمها أبو حنيفة وهو صاحب الذكاء المشهور.

استدعى أحد المتحلقين حوله، وألقى إليه سؤالا وطلب منه أن يوجهه إلى أبي يوسف، قال له: قل ليعقوب: ما رأيك في رجل دفع إلى قصار ثوبا ليقصره له بدرهم، فعاد إليه بعد أيام يطلب الثوب فجحده، ثم إن صاحب الثوب عاد بعد أيام يطلب الثوب مرة أخرى فرده عليه مقصورا، فهل له من أجر؟ إن قال لك: له أجر فقل له: أخطأت، وإن قال: ليس له أجر فقل له: أخطأت .. وتوجه الفتى إلى أبي يوسف وألقى عليه السؤال.

فقال أبو يوسف: له أجر.

فقال له: أخطأت.

فقال أبو يوسف: ليس له أجر.

فقال له الفتى: أخطأت، وعاد الفتى إلى حلقة أبي حنيفة بعد أن أنهى مهمته، وأنهى إلى أستاذه جواب أبي يوسف، ونظر أبو يوسف فعلم أنه حار في مسألة كان المفروض ألا يحار فيها .. وهي مسألة يسيرة هينة، فكيف لو ألقى عليه من عويص المسائل، فطوى مجلسه المستقل، وعاد إلى مجلس أبي حنيفة تائبا مستغفرا، قال له أبو حنيفة: أظن ما جاء بك إلا مسألة القصار؟

قال أبو يوسف: نعم.

فقال أبو حنيفة: من يجلس في مجلس الإفتاء فلا ينبغي له أن يعجز في الإجابة عن أقل مسألة.

فقال أبو يوسف: إني تائب فعلمني.

قال أبو حنيفة: إن كان قصره بعدما غصبه فلا أجرة له، لأنه قصره لنفسه، وإن كان قصره قبل أن يغصبه فله الأجرة لأنه قصره لصاحبه، يا أبا يوسف، من ظن أنه يستطيع

<<  <  ج: ص:  >  >>