عندما جمع الروم حشودهم على حدود البلاد الإسلامية الشمالية، كتب أبو عبيدة - رضي الله عنه - إلى كل وال ممن خلفه في المدن التي صالح أهلها، يأمرهم أن يرجعوا عليهم ما جبي منهم من الجزية والخراج، وكتب إليهم أن يقولوا لهم: إنما رددنا عليكم أموالكم، لأنه قد بلغنا ما جمع لنا من الجموع وأنكم اشترطتم علينا أن نمنعكم، وإنا لا نقدر على ذلك، وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم، ونحن على الشرط، وما كتبنا بيننا وبينكم إن نصرنا الله عليهم، فلما قالوا ذلك لهم وردوا عليهم أموالهم التي جبيت منهم، قالوا: ردكم الله علينا ونصركم عليهم "أي الروم" فلو كانوا هم ما ردوا علينا شيئًا وأخذوا كل شيء بقي لنا حتى لا يدعوا لنا شيئا.
عمر والهرمزان:
وقع الهرمزان الفارسي في الأسر، وجاء إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وعرف الهرمزان أنه يحكم عليه بالقتل لما فعله من حرب المسلمين، فطلب من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن يطلب له ماء يشربه، فلما أتى الماء، قال الهرمزان للخليفة: آخذ عليك عهدا، ألا تقتلني ما دام الماء معي، فقال له أمير المؤمنين: لك ذلك، فقال الهرمزان: فوالله لا أترك الماء ولا أشربه، فخلى عمر سبيله وفاء بوعده. وهكذا المسلم يكون وفيا مع أعدائه في العهود.
أبو حنيفة:
من مظاهر الوفاء وفاء أبي حنيفة لشيوخه، فلقد كان يدعو لشيخه حماد مع أبويه في كل صلاة يصليها، وكان يحفظ له وده، ويذكره دائما ويترحم عليه، ولا ينسى له فضله، لم يسهل على أبي حنيفة أبدا أن ينسى شيخه وأستاذه حمادًا، فأقام على شرعة الوفاء له، يذكره بالخير، ويثني على فضله، وينوه بأثره فيه، ويدعو له، حتى قال أبو حنيفة: ما صليت قط إلا ودعوت لشيخي حماد ولكل من تعلمت منه علما أو علمته، وفي رواية: ما صليت صلاة منذ مات حماد إلا استغفرت له مع والديّ، وإني لأستغفر لمن تعلمت منه علما أو علمته علما (١).