البشرية، وتصطدم من ثم بالتصورات والأوضاع المخالفة كما تصطدم بشهوات الناس وانحرافهم وفسوقهم عن منهج الله، وتدخل في معركة لا حيلة فيها، ولابد منها، لإنشاء ذلك الواقع الجديد الذي تريده، وتتحرك إليه حركة إيجابية فاعلة منشئة.
وهؤلاء الذين تختلط عليهم تلك الحقيقة ينقصهم الحس النقي بحقيقة العقيدة، كما ينقصهم الوعي الذكي لطبيعة المعركة وطبيعة موقف أهل الكتاب فيها، ويغفلون عن التوجيهات القرآنية الواضحة الصريحة فيها، فيخلطون بين دعوة الإسلام إلى السماحة في معاملة أهل الكتاب والبر بهم في المجتمع المسلم الذي يعيشون فيه مكفولي الحقوق، وبين الولاء الذي لا يكون إلا لله ورسوله وللجماعة المسلمة، ناسين ما يقرره القرآن الكريم من أن أهل الكتاب بعضهم أولياء بعض في حرب الجماعة المسلمة، وأن هذا شأن ثابت لهم، وأنهم ينقمون من المسلم إسلامه، وأنهم لن يرضوا عن المسلم إلا أن يترك دينه ويتبع دينهم، وأنهم مصرون على الحرب للإسلام وللجماعة المسلمة، وأنهم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر إلى آخر هذه التقريرات الحاسمة.
إن المسلم مطالب بالسماحة مع أهل الكتاب ولكنه منهي عن الولاء لهم بمعنى التناصر والتحالف معهم، وإن طريقه لتمكين دينه وتحقيق نظامه المتفرد لا يمكن أن يلتقي مع طريق أهل الكتاب، ومهما أبدى لهم من السماحة والودة فإن هذا لن يبلغ أن يرضوا له البقاء على دينه وتحقيق نظامه، ولن يكفهم عن موالاة بعضهم لبعض في حربه والكيد له، وسذاجة أية سذاجة وغفلة أية غفلة، أن نظن أن لنا وإياهم طريقا واحدا نسلكه للتمكين للدين، أما الكفار والملحدون، فهم مع الكفار والملحدين، إذا كانت المعركة مع المسلمين (١).
سيدنا نوح
دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاما فلم يؤمن معه إلا القليل، ولقد أبى ابنه أن يستجيب لدعوته، وكان من الغارقين.
لقد استعلى نبي الله على العاطفة ورضي بحكم الله فلا لجاجة ولا التواء، ولا معذرة ولا تأويل، بل تسليم مطلق واتباع لما يحب الله ويرضى، وإعراض عما يكره ويبغض، وولاء لمن يحب الله، وبراء وعداء لمن حاد الله ولو كان أقرب قريب، ولم يكن شأن نبي الله نوح هذا