قال له الرجل الحاسد: تدعوه إليك، فإنه إن دنا منك وضع يده على أنفه لئلا يشم رائحة البخر منك، فقال له الحاكم: انصرف حتى أنظر، فخرج الحاسد من عند الحاكم، وذهب إلى الرجل جليس الحاكم الذي وشى به عنده ودعاه إلى منزله، فأطعمه طعامًا فيه ثوم كثير، ثم خرج ذلك الرجل وذهب كعادته إلى الحاكم وجلس بجواره لينصحه، فقال: أيها الحاكم أحسن إلى المحسن بإحسانه، أما المسيء فستكفيه إساءته، فقال له الحاكم: ادن مني. فدنا منه، فوضع الرجل يده على فمه مخافة أن يشم الحاكم منه رائحة الثوم، فقال الحاكم في نفسه: ما أرى فلانا إلا قد صدق. وكان الحاكم لا يكتب بخطه إلا صلة أو جائزة، فكتب للرجل كتابًا بخطه إلى عامل من عماله يقول فيه: إذا أتاك حامل كتابي هذا فاذبحه.
فأخذ الرجل جليس الحاكم الكتاب، وخرج به، فلقيه الرجل الواشي الذي حسده.
فقال له: ما هذا الكتاب؟
فقال: خط الحاكم لي كتابًا فيه جائزة.
فقال له: هبه لي.
قال: هو لك. فأخذه ومضى به إلى العامل، فقال له العامل: في كتابك أن أذبحك،
فقال له الرجل الحاسد بفزع: إن الكتاب ليس لي، فالله الله في أمري حتى تراجع الحاكم وتخبره بأمري.
فقال العامل: ليس لكتاب الحاكم مراجعة، فذبحه. ثم عاد الجليس الطيب إلى الحاكم كعادته، فتعجب الحاكم، وقال له: ما فعلت بالكتاب؟
فقال الرجل الطيب: لقيني فلان فاستوهبه مني فوهبته له.
قال الحاكم له: إنه ذكر لي أنك تزعم أني أبخر.
قال الرجل الطيب: ما قلت ذلك.
قال الحاكم: فلم وضعت يدك على فمك؟
قال: لأنه أطعمني طعامًا فيه ثوم فكرهت أن تشمه، عندئذ قال الحاكم لهذا الرجل