لقد حاول أبو جهل أن يدخل على عياش من الجانب المؤثر عليه، حيث ذكر وضع أمه ليكسب موافقته على العودة، وهو يعلم أن عياش من أهل البر والصلة.
قال عمر: يا عياش، إنه والله إن يريد القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم فوالله لو آذي أمك القمل لامتشطت، ولو اشتد عليها حر مكة لاستظلت.
فقال عياش: أبر قسم أمي، ولي هناك مال فآخذه، وهنا وقع عياش في شباك عاطفة القرابة، فقال عمر: والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالاً فلك نصف مالي ولا تذهب معهما، قال: فأبي عليَّ إلا أن يخرج معهما، فلما أبي إلا ذلك قال: قلت له: أما إذ قد فعلت فخذ ناقتي هذه، فإنها ناقة نجيبة ذلول، فالزم ظهرها، فإن رابك من القوم ريب فانجُ عليها.
وهذه تضحية كبيرة من عمر حيث تنازل لعياش عن نصف ماله وعن ناقته، والمال من أعز المحبوبات لدي الإنسان.
قال عمر: فخرج عليها -يعني علي ناقة عمر- معهما حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال له أبو جهل: يا ابن أخي، والله لقد استغلظ عليَّ بعيري هذا، أفلا تعقبني على ناقتك هذه؟ قال: بلي، قال: فأناخ، وأناخا ليتحول عليها، فلما استووا بالأرض عدوا عليه فأوثقاه رباطًا، ثم دخلا به مكة، وفتناه فافتتن. قالا: يا أهل مكة هكذا فافعلوا بسفهائكم كما فعلنا بسفيهنا هذا.
وفي ذلك عبرة للمسلمين حتى لا يأمنوا الكفار، وإن أظهروا لهم المودة وقدموا لهم المعونة، إن ذلك نوع من الطعم الذي يصطادون به المسلمين، قال تعالى:{يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ}[التوبة: ٨].
محاولة اغتيال فاشلة
روي ابن أبي شيبة عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: ما رأيت قريشا أرادوا قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا يومًا، ائتمروا به وهم جلوس في ظل الكعبة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي عند المقام فقام إليه عقبة بن أبي معيط فجعل رداءه في عنقه ثم جذبه حتى وجب لركبتيه ساقطًا، وتصايح الناس حتى ظنوا أنه مقتول، فأقبل أبو بكر يشتد، حتى أخذ