فقد تتوافر أسباب النصر المادية الظاهرة بزيادة العدد أو قوة العتاد، وهنا قد يركن هؤلاء إلى هذه الأسباب بل قد يداخلهم الشعور بالخيلاء والغرور ويترجم هذا الشعور عبارة (لن نغلب اليوم من قلة) كما حدث في غزوة حنين فأتي الناس من هذا الباب وكان درسًا قاسيًا أفاقهم من غشاوتهم وردهم إلى جميل التوكل على الله، وعندئذ انقلبت الموازين وتحقق النصر المبين، وقد عبر القرآن الكريم عن هذا الموقف في قوله تعالى:{وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا}[التوبة: ٢٥].
وفي سورة الأنفال مع عظمة مناسبة يوم الفرقان ولكن الله افتتح السورة بالمعاتبة على هذه الزلة وإقالة هذه العثرة وذلك قبل سرد روائع الغزوة فقال تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[الأنفال: ١].
يقول سيد قطب: إن الظن يذهب لأول وهلة أن تثبيت الأقدام يسبق النصر، ويكون سببًا فيه، وهذا صحيح، ولكن تأخير ذكره في العبارة يوحي بأن المقصود معنى آخر من معاني التثبيت، معنى التثبيت على النصر وتكاليفه، فالنصر ليس نهاية المعركة بين الكفر والإيمان، وبين الحق والضلال. فللنصر تكاليفه في ذات النفس وفي واقع الحياة، للنصر تكاليفه في عدم الزهو به والبطر، وفي عدم التراخي بعده والتهاون، وكثير من النفوس يثبت على المحنة والبلاء، ولكن القليل هو الذي يثبت على النصر والنعماء، فصلاح القلوب وثباتها على الحق بعد النصر منزلة أخرى وراء النصر (١).