ولما كان يوم الجمعة الذي تلا وصول هذا الكتاب، خرج الربيع بن زياد إلى الصلاة في ثياب بيض، وخطب الناس خطبة الجمعة، ثم قال: أيها الناس إني قد مللت الحياة، وإني داع بدعوة، فأمنوا على دعائي، ثم قال: اللهم إن كنت تريد بي خيرًا فاقبضني إليك عاجلاً غير آجل، فأمن الناس على دعائه، فلم تغب شمس ذلك اليوم حتى لحق الربيع ابن زياد بجوار ربه.
وها هو الشيخ أحمد ياسين استشهد بعد أداء صلاة الفجر في المسجد جماعة بالرغم من مرضه الشديد والشلل الكامل، وهكذا رزقه الله حسن الخاتمة.
وفي سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة خرج السلطان مظفر الحليم الكجراتي على مصلى العيد للاستسقاء وتصدق، وتفقد ذوي الحاجة على طبقاتهم، وسألهم الدعاء، ثم تقدم للصلاة، وكان آخر ما دعا به: اللهم إني عبدك ولا أملك لنفسي شيئًا، فإن تكن ذنوبي حبست القطر عن خلقك فهذه ناصيتي بيدك! فأغثنا يا أرحم الراحمين، قال هذا ووضع جبهته على الأرض واستمر ساجدًا يكرر قوله: يا أرحم الراحمين، فما رفع رأسه إلا وهاجت ريح، ونشأت بحرية ببرق ورعد ومطر، ثم سجد لله شكرًا، ورجع من صلاته بدعاء الخلق له وهو يتصدق بالمال يمينًا وشمالاً.
وكان رحمه الله يقول: نظرت فيما أوثر به أولي الاستحقاق من الإنفاق، فإذا أنا بين إفراط في صرف بيت المال وتفريط في منع أهله، فلم أدر إذا سئلت عنهما بم أجيب.
وفي آخر أيامه وكان يوم الجمعة قال: أما صلاة الظهر فأصليها عندكم، وأما صلاة العصر فعند ربي في الجنة إن شاء الله تعالى، ثم أذن للحاضرين في صلاة الجمعة واستدعى مصلاه وصلى، ودعا الله سبحانه بوجه مقبل عليه وقلب منيب إليه، دعاء من هو مفارق القصر مشرف على القبر، ثم كان آخر دعائه:{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}[يوسف: ١٠١]، وقام من مصلاه وهو يقول: أستودعك الله، واضطجع على سريره وهو مجتمع الحواس ووجهه يلتفت إلى القبلة وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وفاضت نفسه والخطيب على المنبر يدعو له، وفي ذلك عبرة لمن ألقى السمع وهو شهيد (١).