مِنْهُمْ الْقَوْلَ لَا يُحْفَظُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْهُمْ فِيهِ لَهُ مُوَافَقَةٌ وَلَا خِلَافَ صِرْتُ إلَى اتِّبَاعِ قَوْلِهِ إذَا لَمْ أَجِدْ كِتَابًا وَلَا سُنَّةً وَلَا إجْمَاعًا وَلَا شَيْئًا فِي مَعْنَاهُ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِهِ أَوْ وُجِدَ مَعَهُ قِيَاسٌ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِهِ مَعَ مَالِكٍ: مَا كَانَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَوْجُودَيْنِ فَالْعُذْرُ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ مَقْطُوعٌ إلَّا بِإِتْيَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ صِرْنَا إلَى أَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ أَوْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ كَانَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ إذَا صِرْنَا إلَى التَّقْلِيدِ أَحَبَّ إلَيْنَا، وَذَلِكَ إذَا لَمْ نَجِدْ دَلَالَةً فِي الِاخْتِلَافِ تَدُلُّ عَلَى أَقْرَبِ الِاخْتِلَافِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَنَتْبَعُ الْقَوْلَ الَّذِي مَعَهُ الدَّلَالَةُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ مَشْهُورٌ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ النَّاسَ وَمَنْ لَزِمَ قَوْلُهُ النَّاسَ كَانَ أَشْهَرَ مِمَّنْ يُفْتِي الرَّجُلَ أَوْ النَّفَرَ وَقَدْ يَأْخُذُ بِفُتْيَاهُ وَيَدَعُهَا، وَأَكْثَرُ الْمُفْتِينَ يُفْتُونَ الْخَاصَّةَ فِي بُيُوتِهِمْ وَمَجَالِسِهِمْ وَلَا يَعْتَنِي الْعَامَّةُ بِمَا قَالُوا عِنَايَتَهُمْ بِمَا قَالَ الْإِمَامُ، وَقَدْ وَجَدْنَا الْأَئِمَّةَ يُنْتَدَبُونَ فَيُسْأَلُونَ عَنْ الْعِلْمِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِيمَا أَرَادُوا أَنْ يَقُولُوا فِيهِ وَيَقُولُونَ فَيُخْبِرُونَ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ، فَيَقْبَلُونَ مِنْ الْمُخْبِرِ، وَلَا يَسْتَنْكِفُونَ عَنْ أَنْ يَرْجِعُوا لِتَقْوَاهُمْ اللَّهَ وَفَضْلِهِمْ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ عَنْ الْأَئِمَّةِ فَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الدِّينِ فِي مَوْضِعِ الْأَمَانَةِ أَخَذْنَا بِقَوْلِهِمْ، وَكَانَ اتِّبَاعُهُمْ أَوْلَى بِنَا مِنْ اتِّبَاعِ مَنْ بَعْدَهُمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالْعِلْمُ طَبَقَاتٌ، الْأَوْلَى: الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، الثَّانِيَةُ: الْإِجْمَاعُ فِيمَا لَيْسَ كِتَابًا وَلَا سُنَّةً، الثَّالِثَةُ: أَنْ يَقُولَ صَحَابِيٌّ فَلَا يُعْلَمُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، الرَّابِعَةُ: اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ، الْخَامِسَةُ: الْقِيَاسُ، هَذَا كُلُّهُ كَلَامُهُ فِي الْجَدِيدِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذَا: وَفِي الرِّسَالَةِ الْقَدِيمَةِ لِلشَّافِعِيِّ - بَعْدَ ذِكْرِ الصَّحَابَةِ وَتَعْظِيمِهِمْ - قَالَ: وَهُوَ فَوْقَنَا فِي كُلِّ عِلْمٍ وَاجْتِهَادٍ وَوَرَعٍ وَعَقْلٍ، وَأَمْرٍ اُسْتُدْرِكَ بِهِ عِلْمٌ، وَآرَاؤُهُمْ لَنَا أَحْمَدُ، وَأَوْلَى بِنَا مِنْ رَأْيِنَا، وَمَنْ أَدْرَكْنَا مِمَّنْ تُرْضَى أَوْ حُكِيَ لَنَا عَنْهُ بِبَلَدِنَا صَارُوا فِيمَا لَمْ يَعْلَمُوا فِيهِ سُنَّةً إلَى قَوْلِهِمْ إنْ اجْتَمَعُوا أَوْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنْ تَفَرَّقُوا، وَكَذَا نَقُولُ، وَلَمْ نَخْرُجْ مِنْ أَقْوَالِهِمْ كُلِّهِمْ.
قَالَ: وَإِذَا قَالَ الرَّجُلَانِ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ قَوْلَيْنِ نَظَرْت، فَإِنْ كَانَ قَوْلُ أَحَدِهِمَا أَشْبَهَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَخَذْت بِهِ، لِأَنَّ مَعَهُ شَيْئًا قَوِيًّا؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ دَلَالَةً بِمَا وَصَفْت كَانَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ أَرْجَحَ عِنْدَنَا مِنْ وَاحِدٍ لَوْ خَالَفَهُمْ غَيْرُ إمَامٍ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْقَوْلِ دَلَالَةٌ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ كَانَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِمْ، فَإِنْ اخْتَلَفُوا صِرْنَا إلَى الْقَوْلِ الَّذِي عَلَيْهِ دَلَالَةٌ، وَقَلَّمَا يَخْلُو اخْتِلَافُهُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا بِلَا دَلَالَةٍ نَظَرْنَا إلَى الْأَكْثَرِ، فَإِنْ تَكَافَئُوا نَظَرْنَا أَحْسَنَ أَقَاوِيلِهِمْ مَخْرَجًا عِنْدَنَا، وَإِنْ وَجَدْنَا لِلْمُفْتِينَ فِي زَمَانِنَا أَوْ قَبْلَهُ إجْمَاعًا فِي شَيْءٍ تَبِعْنَاهُ، فَإِذَا نَزَلَتْ نَازِلَةٌ لَمْ نَجِدْ فِيهَا وَاحِدَةً مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ فَلَيْسَ إلَّا إجْهَادُ الرَّأْيِ، فَهَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُ بِنَصِّهِ، وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنَّهُ لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute