للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقُلْتُمْ: لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا فَصَدَّقَ الشُّهُودَ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ، وَإِنْ كَذَّبَهُمْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَهَذَا مِنْ أَفْسَدِ قِيَاسٍ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ تَصْدِيقَهُمْ إنَّمَا زَادَهُمْ قُوَّةً، وَزَادَ الْإِمَامَ يَقِينًا وَعِلْمًا أَعْظَمَ مِنْ الْعِلْمِ الْحَاصِلِ بِالشَّهَادَةِ وَتَكْذِيبِهِ. وَتَفْرِيقُكُمْ - بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا يُعْمَلُ بِهَا إلَّا مَعَ الْإِنْكَارِ فَإِذَا أَقَرَّ فَلَا عَمَلَ لِلْبَيِّنَةِ، وَالْإِقْرَارُ مَرَّةً لَا يَكْفِي فَيَسْقُطُ الْحَدُّ - تَفْرِيقٌ بَاطِلٌ، فَإِنَّ الْعَمَلَ هَاهُنَا بِالْبَيِّنَةِ لَا بِالْإِقْرَارِ، وَهُوَ إنَّمَا صَدَرَ مِنْهُ تَصْدِيقُ الْبَيِّنَةِ الَّتِي وَجَبَ الْحُكْمُ بِهَا بَعْدَ الشَّهَادَةِ، فَسَوَاءٌ أَقَرَّ أَمْ لَمْ يُقِرَّ، فَالْعَمَلُ إنَّمَا هُوَ بِالْبَيِّنَةِ.

وَقُلْتُمْ: لَوْ وَجَدَ الرَّجُلُ امْرَأَةً عَلَى فِرَاشِهِ فَظَنَّ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ فَوَطِئَهَا حُدَّ حَدَّ الزِّنَا، وَلَا يَكُونُ هَذَا شُبْهَةً مُسْقِطَةً لِلْحَدِّ، وَلَوْ عَقَدَ عَلَى ابْنَتِهِ أَوْ أُمِّهِ وَوَطِئَهَا كَانَ ذَلِكَ شُبْهَةً مُسْقِطَةً لِلْحَدِّ، وَلَوْ حَبِلَتْ امْرَأَةٌ لَا زَوْجَ لَهَا وَلَا سَيِّدَ وَوَلَدَتْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ لَمْ تُحَدَّ، وَلَوْ تَقَايَأَ الْخَمْرَ كُلَّ يَوْمٍ لَمْ يُحَدَّ، فَتَرَكْتُمْ مَحْضَ الْقِيَاسِ وَالثَّابِتَ عَنْ الصَّحَابَةِ ثُبُوتًا لَا شَكَّ فِيهِ مِنْ الْحَدِّ بِالْحَبَلِ وَرَائِحَةِ الْخَمْرِ.

وَقُلْتُمْ: لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا فَطَعَنَ فِي عَدَالَتِهِمْ حُبِسَ إلَّا أَنْ تُزَكَّى الشُّهُودُ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ اثْنَانِ بِمَالٍ فَطَعَنَ فِي عَدَالَتِهِمَا لَمْ يُحْبَسْ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ، فَتَرَكْتُمْ مَحْضَ الْقِيَاسِ، وَقِسْتُمْ دَعْوَى الْمَرْأَتَيْنِ الْوَلَدَ وَإِلْحَاقَهُ بِهِمَا وَجَعْلَهُمَا أُمَّيْنِ لَهُ عَلَى دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ، وَهَذَا مِنْ أَفْسَدِ الْقِيَاسِ، فَإِنَّ خُرُوجَ الْوَلَدِ مِنْ أُمَّيْنِ مَعْلُومُ الِاسْتِحَالَةِ، وَتَخْلِيقُهُ مِنْ مَاءِ الرَّجُلَيْنِ مُمْكِنٌ بَلْ وَاقِعٌ، كَمَا شَهِدَ بِهِ الْقَائِفُ عِنْدَ عُمَرَ وَصَدَّقَهُ.

وَقُلْتُمْ: لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ " طَلِّقْ امْرَأَتِي " فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: " طَلِّقِي نَفْسَكِ " فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا مَا دَامَتْ فِي الْمَجْلِسِ، ثُمَّ فَرَّقْتُمْ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ " طَلِّقِي نَفْسَكِ " تَمْلِيكٌ لَا تَوْكِيلٌ، لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فِي التَّصَرُّفِ لِنَفْسِهِ فَيُقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ فَتَوْكِيلٌ فَلَا يَتَقَيَّدُ، وَهَذَا الْفَرْقُ دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ وَلَمْ تَذْكُرُوا حُجَّةً عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: " طَلِّقِي نَفْسَكِ " تَمْلِيكٌ، وَقَوْلَكُمْ " الْوَكِيلُ لَا يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ " جَوَابُهُ: لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ لِنَفْسِهِ وَلِمُوَكِّلِهِ، وَلِهَذَا كَانَ الشَّرِيكُ وَكِيلًا بَعْدَ قَبْضِ الْمَالِ وَالتَّصَرُّفِ وَإِنْ كَانَ مُتَصَرِّفًا لِنَفْسِهِ، فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ، ثُمَّ نَاقَضْتُمْ هَذَا الْفَرْقَ فَقُلْتُمْ: لَوْ قَالَ " أَبْرِئْ نَفْسَكَ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْكَ " فَإِنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ، وَيَكُونُ تَوْكِيلًا، مَعَ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَعَ نَفْسِهِ، فَفَرَّقْتُمْ بَيْنَ " طَلِّقِي نَفْسَكِ " وَ " أَبْرِئْ نَفْسَكَ مِمَّا عَلَيْكَ مِنْ الدَّيْنِ " وَهُوَ تَفْرِيقٌ بَيْنَ مُتَمَاثِلَيْنِ، فَتَرَكْتُمْ مَحْضَ الْقِيَاسِ.

وَقَالُوا: مَنْ أَقَامَ شُهُودَ زُورٍ عَلَى أَنَّ زَيْدًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ فَهِيَ حَلَالٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>