للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرِّجَالِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِلنِّسَاءِ فِيهِ حَظًّا؛ لِنُقْصَانِ عُقُولِهِنَّ وَأَدْيَانِهِنَّ، فَلَوْ جَعَلَهُ إلَيْهِنَّ لَكَانَ فِيهِ فَسَادٌ كَبِيرٌ تَأْبَاهُ حِكْمَةُ الرَّبِّ تَعَالَى وَرَحْمَتُهُ بِعِبَادِهِ، فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ لَا تَشَاءُ أَنْ تَسْتَبْدِلَ بِالزَّوْجِ إلَّا اسْتَبْدَلَتْ بِهِ، بِخِلَافِ الرِّجَالِ؛ فَإِنَّهُمْ أَكْمَلُ عُقُولًا وَأَثْبَتُ، فَلَا يَسْتَبْدِلُ بِالزَّوْجَةِ إلَّا إذَا عِيلَ صَبْرُهُ، ثُمَّ إنَّ الزَّوْجَ قَدْ يَجْعَلُ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا، بِأَنْ يُمَلِّكَهَا ذَلِكَ أَوْ يَحْلِفَ عَلَيْهَا أَنْ لَا تَفْعَلَ كَذَا، فَتَخْتَارَ طَلَاقَهُ مَتَى شَاءَتْ، وَيَبْقَى الطَّلَاقُ بِيَدِهَا، وَلَيْسَ فِي هَذَا تَغْيِيرٌ لِلشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَلْزَمَ نَفْسَهُ هَذَا الْحَرَجَ بِيَمِينِهِ وَتَمْلِيكِهِ، وَنَظِيرُ هَذَا مَا قَالَهُ فُقَهَاءُ الْكُوفَةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا: أَنَّهُ لَوْ قَالَ: " كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ " لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بَعْدَ ذَلِكَ امْرَأَةً، حَتَّى قِيلَ: إنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ أَطْبَقُوا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ تَغْيِيرٌ لِلشَّرِيعَةِ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ مَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَنَظِيرُ هَذَا لَوْ قَالَ: " كُلُّ عَبْدٍ وَأَمَةٍ أَمْلِكُهُمَا فَهُمَا حُرَّانِ " لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ بَعْدَ هَذَا إلَى مِلْكِ رَقِيقٍ أَصْلًا، وَلَيْسَ فِي هَذَا تَغْيِيرٌ لِلشَّرْعِ، بَلْ هُوَ الْمُضَيِّقُ عَلَى نَفْسِهِ، وَالضِّيقُ وَالْحَرَجُ الَّذِي يُدْخِلُهُ الْمُكَلَّفُ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الشَّارِعُ قَدْ شَرَّعَهُ لَهُ، وَإِنْ أَلْزَمَهُ بِهِ بَعْدَ أَنْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ أَلْفُ دِينَارٍ فَاشْتَرَى بِهَا جَارِيَةً فَأَوْلَدَهَا ثُمَّ سَاءَتْ الْعِشْرَةُ بَيْنَهُمَا لَمْ يَبْقَ لَهُ طَرِيقٌ إلَى الِاسْتِبْدَالِ بِهَا، وَعَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي إعْتَاقِهَا أَوْ تَزْوِيجِهَا أَوْ إمْسَاكِهَا وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِهَا.

ثُمَّ نَقُولُ فِي مُعَارَضَةِ مَا ذَكَرْتُمْ: بَلْ يَكُونُ فِي هَذِهِ الْيَمِينِ مَصْلَحَةٌ لَهُ وَغَرَضٌ صَحِيحٌ، بِأَنْ يَكُونَ مُحِبًّا لِزَوْجَتِهِ شَدِيدَ الْإِلْفِ بِهَا، وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ أَنْ يَنْزِغَ الشَّيْطَانُ بَيْنَهُمَا فَيَقَعَ مِنْهُ طَلَاقُهَا مِنْ غَضْبَةٍ أَوْ مَوْجِدَةٍ، أَوْ يَحْلِفُ يَمِينًا بِالطَّلَاقِ أَوْ يُبْلَى بِمَنْ يَسْتَحْلِفُهُ بِالطَّلَاقِ وَيُضْطَرُّ إلَى الْحِنْثِ، أَوْ يُبْلَى بِظَالِمٍ يُكْرِهُهُ عَلَى الطَّلَاقِ وَيَرْفَعُهُ إلَى حَاكِمٍ يُنَفِّذُهُ، أَوْ يُبْلَى بِشَاهِدَيْ زُورٍ يَشْهَدَانِ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ، وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ بِهِ، وَكَانَ مِنْ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ طَرِيقًا إلَى الْأَمْنِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَا طَرِيقَ أَحْسَنَ مِنْ هَذِهِ؛ فَلَا يُنْكَرُ مِنْ مَحَاسِنِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ الْكَامِلَةِ أَنْ تَأْتِيَ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّ فِي ذَلِكَ نَوْعَ ضَرَرٍ عَلَيْهِ، لَكِنَّ رَأْيَ احْتِمَالِهِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْفِرَاقِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ضَرَرِ الْبَقَاءِ، وَمَا يُنْكَرُ فِي الشَّرِيعَةِ مِنْ دَفْعِ أَعْلَى الضَّرَرَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَدْنَاهُمَا؟ .

فَصْلٌ

[الْجَوَابُ عَلَى شُبَهِ أَصْحَابِ الْحِيلَةِ السُّرَيْجِيَّةِ]

قَالَ الْمُوَقِّعُونَ: لَقَدْ دَعَوْتُمْ الشُّبَهَ الْجَفَلَى إلَى وَلِيمَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَلَمْ تَدَعُوا مِنْهَا دَاعِيًا وَلَا مُجِيبًا، وَاجْتَهَدْتُمْ فِي تَقْرِيرِهَا ظَانِّينَ إصَابَةَ الِاجْتِهَادِ، وَلَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>