١٨٤، - * وعن معاويةَ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تُلحِفوا في المسألة، فوالله لايسألُني أحدٌ منكم شيئًا فتُخرجُ له مسألتهُ منى شيئًا وأنا له كارهٌ؛ فيُبارَكَ لهُ فيما أَعطيتُه)). رواه مسلم.
ــ
ولا قدر، من قولهم: لفلان وجه في الناس، أي قدر ومنزلة. والثانى: أن يكون وجهه الذي يتلقى به الناس عظما لا لحم عليه، إما أن يكون لعقوبة نالت موضع الجناية، واما أن يكون علامة وشعارًا يعرف، لا لعقوبة مسته. وحقق المعنى الأول الشيخ التوربشتى حيث قال: عرفنا الله سبحانه أن الصور في الدار الآخرة تختلف باختلاف المعإني، قال الله تعالي:{يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} فالذي يبذل وجهه لغير الله في الدنيا من غير ما بأس وضرورة، بل للتوسع والتكثر نصيبه شين في الوجه بإذهاب اللحم عنه؛ ليظهر للناس صورة المعنى الذي خفي عليهم منه. وأقول: يمكن أن يحقق المعنى الثانى، فإن كثرة اللحم في الوجه ونتوه يدل علي صفاقة الوجه ووقاحته، وهو أمارة الإلحاح، فيعاقب بنزعه عنه.
الحديث الرابع عن معاوية: قوله: ((لا تلحفوا)) ((نه)): أي لا تبالغوا فيها، يقال: ألحف في المسألة يلحف إلحافًا، إذا ألح فيها ولزمها. قوله:((فيبارك له)) ((شف)): بالنصب بعد الفاء علي معنى الجمعية، أي لا يجمع إعطائى أحدًا شيئًا وأنا كاره في ذلك الإعطاء، ويبارك الله في ذلك الذي أعطيته إياه. ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم:((لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار)) بالنصب. وأقول: الحديث نظير قوله تعالي: {ما عليك من حسابهم من شىء وما من حسابك عليهم من شىء فتطردهم} في وجه الإعراب لا في المعنى؛ لأن معناه الطرد المسبب عن الحساب منفي عنك، فكيف تطردهم؟ فالمنفي الفعل المعلل. وفي الحديث المعلل هو المنفي أي عدم السؤال الملح المخرج سبب البركة، فيفهم منه أن السؤال الملح سبب لعدم البركة، ولو روى بالرفع لم يفتقر إلي هذا التكلف، وجعله سببًا ومسببًا، بل يكون رفعًا علي الإشراك، كقوله تعالي:{ولايؤذن لهم فيعتذرون}.
((مح)): اتفق العلماء علي اللهي عن السؤال من غير ضرورة، واختلف أصحابنا في مسألة القادر علي الكسب بوجهين، أصحهما أنها حرام لظاهر الأحاديث، والثانى حلال مع الكرامة بثلاثة شروط: أن لايذل نفسه، ولايلح في السؤال، ولايؤذى المسئول، فإن فقد أحد هذه الشروط فحرام بالاتفاق.