١٨٤١ - وعن الزُّبيرِ بنِ العوَّام، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ((لأنْ يأخُذَ أحدُكم حبلَهُ فيأتيَ بحُزمة حطب علي ظهرِه، فيبيعَها، فيكفَّ اللهُ بها وجهَه، خيرٌ له من أن يسألَ النَّاسَ أعطوهُ أو منعوه)). رواه البخاري.
١٨٤٢ - وعن حكيمِ بن حزامٍ، قال: سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأعطإني، ثم سألتُهُ فأعطإني، ثمَّ قالَ لي:((ياحكيمُ! إِنَّ هذا المالَ خَضِرٌ حلوٌ، فَمنْ أخذَهُ بسخاوة نفس بورِكَ لهُ فيه، ومن أخذَهُ بإشرافِ نفسٍ لم يُبارَكْ لهُ فيه، وكانَ كالَّذي يأكلُ ولايشبَعُ، واليَد العُليا خيرٌ من اليَدِ السُّفلي)). قال حكيمٌ: فقلتُ: يارسولَ اللهِ! والذي بعثَكَ بالحقِّ لا أرْزَأُ أحدًا بعدكَ شيئًا حتى أُفارقَ الدنيا. متفق عليه.
ــ
الحديث الخامس عن الزبير رضي الله عنه: قوله: {فيكف الله بها وجهه}((مظ)): يعنى فيمنع الله وجهه علي أن يريق ماءه بالسؤال.
الحديث السادس عن حكيم بن حزام: قوله: ((إن هذا المال خضر حلو)) ((مح)): شبه المال في الرغبة فيه، والميل إليه، وحرص النفوس عليه بالفاكهة الخضراء الحلوة، فإن الأخضر مرغوب فيه من حيث النظر، والحلو من حيث الذوق، فإذا اجتمعا زاد في الرغبة. وفيه إشارة إلي عدم بقائه ووخامة عاقبته. قال القاضى عياض: في سخاوة النفس احتمالان: أظهرهما أنه عائد علي الأخذ، ومعناه من أخذه بغير سؤال، ولا إشراف وطمع، بورك له فيه. والثانى: أنه عائد إلي الدفع، ومعناه: من أخذه ممن يدفعه منشرحًا بدفعه إليه طيب النفس لا بسؤال اضطره إليه أو نحوه مما لا يطيب معه نفس الدافع.
وأقول: لما وصف المال بما تميل إليه النفس الإنسإنية بجبلتها رتب عليها بالفاء أمرين أحدهما: تركها مع ماهي مجبولة عليها من الحرص، والشره، والميل إلي الشهوات. وإليه أشار بقوله:((ومن أخذه بإشراف نفس)). وثإنيهما: كفها عن الرغبة فيها إلي ما عند الله من الثواب، وإليه أشار بقوله ((بسخاوة نفس)) فكنى في الحديث بالسخاوة عن كف النفس من الحرص والشره، كما كنى في الآية بتوقى النفس من الشح والحرص المجبولة عليه عن السخاء؛ لأن من توقى من الشح يكون سخيًا، مفلحًا في الدارين ((ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)).
قوله:((كان كالذي يأكل)) ((خط)): يريد أن سبيله سبيل من يأكل من ذى سقم وآفة،