للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٨٤٤ - وعن أبي سعيد الخدري، قال: إِنَّ أناسًا من الأنصارِ سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهُمْ، ثم سألوه فأعطاهُمْ، حتى نَفد ماعندَه. فقال: ((ما يكونُ عندي من خيرٍ فلَنْ أدَّخِرهُ عنكم، ومنْ يستَعِفَّ يعِفَّهُ الله، ومن يستَغْنِ يُغنِهِ اللهُ، ومنْ يتصبَّرْ يُصبره الله, وما أعطيَ أحدٌ عطاءً هو خيرٌ وأوسعُ من الصبر)). متفق عليه.

١٨٤٥ - وعن عمرَ بنِ الخطَّاب، قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُعطيني العطاءَ، فأقولُ: أَعطِهِ أفقرَ إِليه مني. فقال: ((خذهُ فتمولْهُ، وتصدَّق به، فما جاءكَ من هذا المالِ وأنتَ غيرُ مشرفٍ ولا سائِلٍ؛ فخذهُ. ومالا؛ فلا تُتبعْه نفسَك)). متفق عليه.

ــ

وتفسيره باليد المنفقة غير مناسب للمجمل. وتحقيق الجواب: هذا إنما يتم إذا اقتصر علي قوله: ((اليد العليا هي المنفقة) ولم يعقبه بقوله: ((واليد السفلي هي السائلة)) لدلالتهما علي علو المنفقة، وسفالة السائلة ورذالتها، وهي مما يستنكف منها، ويتعفف عن الاتصاف بها، فظهر من هذا أن رواية الشيخين أرجح من إحدى روايتى أبي داود نقلا ودراية؛ لأنها حينتذ من باب الكناية، وهي أبلغ من التصريح، فيكون أرجح.

الحديث الثامن عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله: ((ما يكون عندى)) ((ما)) موصولة متضمنة معنى الشرط؛ فلذا صح دخول الفاء في خبره. فيه من المبالغة ما انتهي غايتها؛ لأنه رتب عدم الادخار علي جمع المال، إذ لا يصدر مثل هذا إلا عن مبذال أريحى لايخاف الفقر.

قوله: ((يعفه الله)) يريد أن من طلب من نفسه العفة عن السؤال، ولم يظهر الاستغناء يعفه الله، أي يصيره عفيفًا. ومن ترقى من هذه المرتبة إلي ماهو أعلي من إظهار الاستغناء من الخلق، لكن إن أعطى شيئًا لم يرده، فيملأ الله قلبه غنى، ومن فاز بالقدح المعلي وتصبر، وإن أعطى لم يقبل فهو هو.

((مح)): ((خير)) مرفوع في جميع نسخ مسلم، وهو صحيح، وتقديره: هو خير كما وقع في رواية البخاري وفي رواية ((خيرًا)). أقول: وقوله: ((عطاءً)) بمعنى معطى أي شيئًا، وقوله: ((هو خير)) صفته. وكذلك ((خيرًا)) نصبًا صفة، فالمعنى: إن الله تعالي أعطى كل شىءٍ خلقه، وما أعطى أحدًا شيئًا خيرًا من الصبر، لأنه جامع لمكارم الأخلاق.

الحديث التاسع عن عمر رضي الله عنه: قوله: ((فتموله)) ((مظ)): أي اقبله وأدخله في ملكك ومالك، والإشارة بقوله: ((من هذا المال)) إلي جنس المال، أو إلي ذلك المال. والظاهر أنه أجرة عمل عمله في سعى الصدقة، كما ينبئُ عنه حديث ابن الساعدى في الفصل الثالث من

<<  <  ج: ص:  >  >>