١٨٦٥ - وعن جابرٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتقوا الظُّلْمَ؛ فإِنَّ الظُّلْمَ ظُلماتٌ يومَ القيامةِ. واتقوا الشُّحَّ؛ فإِنَّ الشُّحَّ أهلَك مَنْ كانَ قبلكم: حمَلهم علي أنْ سَفكوا دِماءَهم، واستَحلُّوا محارِمهُم)). رواه مسلم.
ــ
كذت المقدم غير لابس جنة بالسيف تضرب معلما أبطالها
((خط)): وحقيقة المعنى: أن الجواد إذا هم بالنفقة، اتسع لذلك صدره وطاوعته يداه، فامتدتا بالعطاء والبذل، والبخيل يضيق صدره وتُقْبَض يده عن الإنفاق في المعروف.
أقول: ومن هذا ظهر أن ((جعل)) بمعنى طفق. ودل علي خبره قوله:((كلما)) أي جعل السخى يتسع صدره كلما أراد التصدق، وأوقع المتصدق مقابلا للبخيل، والمقابل الحقيقى السخى: إيذانًا بأن السخاوة هي ما أمر به الشرع، وندب إليه من الإنفاق، لا ما يتعاناه المبذرون، وخص المشبه بهما بلبس الجنتين من الحديد، إعلامًا بأن القبض والشح من جملة الإنسان وخلقته، ومن ثم أضاف الشح إليه في قوله تعالي:{ومن يوق شح نفسه}. وأن السخاوة من عطاء الله وتوفيقه يمنحها من يشاء من عباده المخلصين، وخص اليد بالذكر؛ لأن السخى والبخيل يوصفان ببسط اليد وقبضها، فإذا أريد المبالغة في البخل، قيل: يده مغلولة إلي عنقه، وثديه وتراقيه. وإنما عدل من الغل إلي الدرع لتصوير معنى الانبساط والتقلص، والأسلوب من التشببه المفرق، شبه السخى الموفق إذا قصد التصدق يسهل عليه ويطاوعه قلبه بمن عليه الدرع ويده تحت الدرع، فإذا أراد أن يخرجها منها وينزعها يسهل عليه، والبخيل علي عكسه، والله أعلم.
الحديث السابع عن جابر: قوله: ((اتقوا الظلم)) ((مح)): عن القاضى عياض: هو علي ظاهره، فيكون ظلمات علي صاحبه لا يهتدى يوم القيامة بسبب ظلمه في الدنيا، كما أن المؤمن يسعى بنور هو مسبب عن إيمانه في الدنيا. قال الله تعالي:{نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم}. ويحتمل أن الظلمات هنا الشدائد، وبه فسر قوله تعالي {قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر} أي شدائدهما.
وأقول: أفرد المبتدأ وجمع الخبر دلالة علي إرادة الجنس، واختلاف أنواع الظلم الذي هو سبب لأنوع الشدائد، في القيامة من الوقوف في العرصات، والحساب، والمرور علي الصراط، وأنواع العقاب في النار، ثم عطف الشح الذي هو نوع من أنواع الظلم علي الظلم ليشعر أن الشح أعظم أنواعه؛ لأنه من نتيجة حب الدنيا وشهواتها، ومن ثم علله بقوله:((فإن الشح أهلك من كان قبلكم)) ثم علله بقوله: ((حملهم علي أن سفكوا الدماء)) علي سبيل الاستئناف؛ فإن