للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

يقرأُ القرآن مثلُ التمرة، لا ريحَ لها وطعمها حلوٌ؛ ومثلُ المنافق الذي لا يقرأُ القرآنَ كمثلِ الحنظلة، ليس لها ريحٌ وطعمُها مُرٌ ومثلُ المنافقِ الذي يقرأ القرآن مثل الرَّيْحانةِ، ريحُها طيبٌ وطعمُها مُرٌّ)) متفق عليه. وفي رواية: ((المؤمنُ الذي يقرأ القرآنَ ويعملُ به كالأترُجَّةِ، والمؤمنُ الذي لا يقرأ القرآنَ ويعمَلُ به كالتَّمرةِ)).

ــ

هكذا من حيث الإيمان في قلبه ثابت طيب الباطن، ومن حيث إنه يقرأ القرآن، ويستريحُ الناس بصوته، ويثابون بالاستماع إليه، ويتعلمون منه مثل الأترجة يستريح الناس برائحتها.

((تو)): الأترجة أفضل ما يوجد من الثمار في سائر البلدان، وأجدى لأسباب كثيرة جامعة للصفات المطلوبة منها، والخواص الموجودة فيها، فمن ذلك: كبر جرمها، وحسن منظرها، وطيب مطعمها، ولين ملمسها، تأخذ الأبصار صبغة ولونًا، فاقع لونها تسر الناظرين، تشوق إليها النفس قبل التناول، يفيد أكلها بعد الالتذاذ بذوائقها، طيب نكهة، ودباغ معدة، وقوة هضم، اشتركت الحواس الأربع دون الاحتظاء بها: البصر، والذوق، والشم، واللمس. ثم إنها في أجزائها تنقسم علي طبائع، فقشرها حار يابس، ولحمها حار رطب، وحماضها بارد يابس، وبذرها حار مجفف. وفيها من المنافع ما هو مذكور في الكتب الطبية، وأية ثمرة تبلغ هذا المبلغ في كمال الخلقة، وشمول المنفعة؟ ثم إنه صلى الله عليه وسلم ضرب المثل بما ينبته الأرض، ويخرجه الشجر، للمشابهة التي بينها وبين الأعمال، فإنها من ثمرات النفوس، فخص ما يخرجه الشجر من الأترجة والتمر بالمؤمن، وما تنبته الأرض من الحنظلة والريحانة بالمنافق، تنبيهًا علي علو شأن المؤمن، وارتفاع عمله، ودوام ذلك، وتوقيفًا علي ضعة شأن المنافق، وإحباط عمله، وقلة جدواه.

وأقول - والله الموفق للصواب -: اعلم أن هذا التشبيه والتمثيل في الحقيقة وصف لموصوف اشتمل علي معنى معقول صرف لا يبرزه عن مكنونه إلا تصويره بالمحسوس المشاهد. ثم إن كلام الله المجيد له تأثيره، في باطن العبد وظاهره، وإن العباد متفاوتون في ذلك، فمنهم من له النصيب الأوفر من ذلك التأثير، وهو المؤمن القارىء. ومنهم من لا نصيب له البتة، وهو المنافق الحقيقى. ومن تأثر ظاهره دون باطنه، وهو المرائى. أو بالعكس، وهو المؤمن الذي لم يقرأه. وإبراز هذه المعانى وتصويرها في المحسوسات ما هو مذكور في الحديث. ولم يجد ما يوافقها ويلائمها، أقرب ولا أحسن، ولا أجمع من ذلك؛ لأن المشبهات والمشبه بها واردة علي التقسيم الحاصر؛ لأن الناس إما مؤمن، أو غير مؤمن. والثانى: إما منافق صرف، أو ملحق به. والأول إما مواظب علي القراءة، أو غير مواظب

<<  <  ج: ص:  >  >>